New article from 'Abd Allah bin Muḥammad: "How is the Political Process Done in the Islamic State?"


بسم الله الرحمن الرحيم 

بحكم اهتمامي بالشأن السياسية كنت ومازلت أبحث في مسائل السياسة الشرعية وهو باب لم يطرق منذ عقود ولذا وقفنا موقف شبه جامد من بعض المسائل السياسية المعاصرة وهذا في ظني يرجع لتدرج رباني في إعادة هذه الأمة لما كانت عليه أول الأمر فبشارة النبي صلى الله عليه وسلم بخلافة إسلامية على منهاج النبوة بعد سقوط الأنظمة الجبرية لا بد وأن يسبقه نوع تجديد لمعالم الدين التي ذبلت مع طول العهد بالأمر الأول ، فالأطوار التي مر بها أهل الإسلام وتحت أنظمة بعيدة عن الدين وأمام مشاريع تغريب وتشريق متوالية جعلت بعض المفاهيم والمقاصد الشرعية في الدين الإسلامي بعيدة عن التصور الصحيح ولذا يبعث الله تعالى من يجدد أمر الدين كلما طال العهد بشيء منه فجاء محمد بن عبدالوهاب ليجدد فقه التوحيد وجاء سيد قطب ليجدد فقه الحاكمية وجاء عبدالله عزام ليجدد فقه الجهاد ..

وهذا التدرج في إعادة الأمة لسابق عهدها بإعادة المسلم لحقيقة العبادة ثم بإعادته هو ومجتمعة المسلم وربطه بحاكمية الشريعة ثم بإعادة وتجديد الأداة الأساسية – الجهاد – لمدافعة كل من يحول دون عودة المسلمين لهذا الفهم الصحيح المتمثل بتطبيق الشريعة الإسلامية في ذات الفرد ونفس المجتمع – ولذا نلاحظ أن المعركة الأخيرة بين المسلمين وأعدائهم هي تطبيق الشريعة – هذا التدرج لا بد وأن يمر بحركة تجديد للسياسة الشرعية التي ستستثمر كل هذا المجهود السابق وتصيغة على شكل دولة تواكب تطور المنظومة السياسية للبشر .

الشورى كنظام سياسي في الإسلام يتعلق بأمرين الأول الشوري كنظام للدولة وهذا يثبت في الدستور ويأخذ صفة ثابتة أما الأمر الثاني فهو ( اختيار الحاكم ) وهو يخضع للظروف التي تحكمه لأنه مرتبط بتوقيت ومرحلة انتقالية أثبت التاريخ أنها أحرج شيء في عمر الدول فغالب النزاعات تخرج عندئذ بجانب أن هناك فترات انتقالية ترتبط بانتقال جديد للدولة من نظام لنظام آخر وهو مايحدث بالثورات واحتلال وضم الدول .. ولكل منهم أسلوب معين يراعيه ففي العصر الحديث يعمل بنظام الحكومة الثورية ريثما تتم انتخابات أو تفرض الأحكام العرفية في حالة الإحتلال العسكري وهكذا

ونظامنا السياسي الإسلامي يراعي هذه المراحل بواقعية فعندما حصل فراغ سياسي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وحصل ماحصل من اجتهادات ونزاع على السلطة في سقيفة بني ساعدة تطلب الأمر أن يحسم بشكل أولي من أصحاب الحق ( قريش ) ريثما تتسع دائرة الشورى وهو ما حصل ببيعة بقية أهل المدينة في المسجد النبوي ثم تتسع أكثر ببيعة بقية المدن الإسلامية والشاهد هنا أن هناك اجتهاد سياسي تطلبه الموقف من أصحاب الحق في تبني ( الخطوة الأولى ) التي سيبنى عليها فيما بعد دون أن تأخذ الشرعية الكاملة بذلك ! فأبو بكر وكما قرره ابن تيمية لم يصبح خليفة بعد مبايعة الموجودين في السقيفة بل ببيعة جماهير المسلمين بعد ذلك ، فهذا الظرف الاستثنائي تطلب مثل هذا الاجتهاد أما بعد نشوء دولة الخلافة وبروز الطبقة الحاكمة من المهاجرين والأنصار واستقرار الحكم أصبح من السهل الدخول في المرحلة الإنتقالية لاختيار رئيس جديد باجراءات متفق عليها مسبقا وهو ما تمثل بترشيح أبو بكر لعمر فهذا الترشيح كان ( الخطوة الأولى ) التي بني عليها الخطوات التالية في تنصيب عمر والذي تم بمبايعة الناس والأمصار له بعد ذلك ونفس الكلام يمكن أن يقال عن ترشيح عمر للستة ثم ما حصل من رأي الأغلبية في اختيار عثمان رضي الله عنهم أجمعين .

والمقصود أن الشورى وحق المسلمين في اختيار الحاكم حق يثبت في نظام الدولة وينتهي الإشكال ولكن النزاع هنا يقع فيمن يدير هذه العملية ! فمن غير المعقول ومن الغبن أيضا أن يأتي من لا فضل له سواء كان هذا الفضل سياسيا أو عسكريا ليحدد إجراءات تشكيل الدولة أو تنصيب حكامها فالجميع يستطيع سوق أدلة حق الأمة في الاختيار للتأكيد على حق الشعب في اختيار الحاكم ولكن من له الحق من بين هؤلاء في إدارة هذه العملية ؟ الشرع والعرف يدل على أن أصحاب الفضل هم أولى الناس بالمبادرة والإشراف على ( الخطوة الأولى ) خاصة إن تطلع غير الموثوقين لإدارة هذه الخطوة فمرحلة تشكيل الدولة تعتمد على ما يخط في أيامها الأول !

وهذا الأمر هو من صميم الاحتياط لمصالح المسلمين وليس من الوصاية عليهم في شيء لأن الإختيار النهائي سيرجع للناس ، ولذا يحرص الغرب على تنظيم المرحلة الإنتقالية والإشراف عليها حتى لا تأتي على عكس مصالحة وله في كل نظام طريقة تمكنه من توجيه العملية لصالحة فإما باقتراع حر أو بمحاصصة إن كانت هناك أقليات يستثمر وجودها لصالحة كلبنان والعراق ، فالديمقراطية نظام يخدم الغرب كقوة تستطيع اختراق أي بلد من خلاله ولذا هم حريصون على نشره بل وفرضه بقوة السلاح كما حصل في أفغانستان والعراق

والغرب أيضا وعبر الأنظمة الديمقراطية يستطيع اختراق أي دولة لدعم أي تيار أو لابتزاز أي سلطة بتأييد المعارضة كما يحدث الآن في مصر ، والذي يهمنا هنا أن ندرك أن قبولنا للعملية الإنتخابية وحتى إن كانت وفق ضوابط شرعية كالإعلان المسبق عن تطبيق الشريعة لا يعني أن نترك الغرب وأتباعه لينضموا هذه العملية لأن لديهم باع طويل في تنحية الأطراف الغير مرغوب فيها !

عندما نجحت الثورة الإسلامية كما يسمونها في إيران وسقط عميل أمريكا الشاه وجاء الملالي إلى السلطة أدركوا أن الغرب لن يترك الأمور لهم بوجود النظام الإنتخابي الذي أقرته الجمهورية فيما بعد وأن نظامهم قد يخترق لدعم أطراف بعينها كما يفعل الغرب بكل بلد ولذا أنشأوا ( مجلس تشخيص مصلحة النظام ) وربطوه بولاية الفقيه ومهمة هذا المجلس الذي يعين أعضائه من قبل المرشد الأعلى هي مراجعة أسماء المرشحين في الانتخابات النيابية والرئاسية وشطب من لا يرغبون به وهذا التكتيك حافظ على وجود الملالي والمحافظين في السلطة على حساب الإصلاحيين وغيرهم فالحبكة هنا أنك تسمح باختيار حر عبر انتخابات نزيهة ولكن بعد أن تقيم بعملية تقليم وتهذيب القوائم الإنتخابية بما يناسبك

ولذا أقول أن الإشراف على مثل هذه الهياكل التي تنظم وتقوم بالخطوة الأولى أمر حيوي لإنجاح المشروع الإسلامي في سوريا سواء كانت البداية عبر الهيئات الشرعية أو بهياكل أكبر في المستقبل وقد وجدت أن الوثيقة التي أصدرها (لواء الأمة) قد تضمنت إجراءات تظمن حقوق المجاهدين في إدارة المرحلة الانتقالية إلا أنها لم تأكد بشكل كافي على استمرار هذه الحقوق وهذا نقص في الفكرة فكل بلد قامت فيه ثورة يبقى الثوار في كيانات خاصة لحماية الثورة وأهدافها وبما أن الثورة السورية إسلامية جهادية بامتياز فمن حق المجاهدين ومن الواجب عليهم كذلك الحفاظ على مبدأ إسلامية الدولة والعمل على بقاء القوة الجهادية كساند وحامي لهذه الدولة .

كتبه الباحث في الشؤون الاستراتيجية 
الشيخ عبد الله بن محمد

__________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]