New article from Dr. Iyād Qunaybī: "Lesson From the Events of A'zāz"

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله،
بخصوص ما حدث في أعزاز، فالذي يهمنا الآن هو الاستفادة
من هذا الحادث للمستقبل وليس مجرد تخطئة طرف والانتصار للآخر، خاصة وأنه قد تم
التوصل إلى اتفاق تهدئة. والكلام هنا للعقلاء، وليس لمن يتعامل بعقلية مشجعي كرة
القدم فيقرأ كلامي بنفسية مشحونة تبحث عن موقفي من فريقه! فالولاء عندنا على
المنهج لا الأشخاص والجماعات.

إخوتي، الطريقة التي تعاطينا بها مع الأحداث تنمُّ عن
ثغرات خطيرة يمكن أن يتسلل من خلالها شياطين الإنس والجن للإضرار بالجهاد في
الشام.
فبداية، هناك نقص في المواثيق المعلنة والجهد الإعلامي
الذي يعيننا على تكوين فكرة منصفة عن الفصائل المقاتلة. بحثتُ لأجد ميثاقا أو
منهجا معلنا للواء عاصفة الشمال فلم أجد. وجهدهم الإعلامي على مواقع التواصل
الاجتماعي ضعيف. فهل تدرك الفصائل المقاتلة أن الجهد الإعلامي لا يقل أهمية أبدا
عن الجهد العسكري؟

أما نحن المتابعين، فعامتنا تصرف بطريقة غير شرعية، إذ
اتخذ موقفا بناء على ما شكَّله من قبلُ من انطباعات. فالمتحفظ على الإخوة في جماعة
الدولة تسرع باعتبار ما حدث “عدوانا منها وشكلا من أشكال استعدائها
للآخرين” وتناقل الرواية التي تؤيد موقفه دون تثبت. والمؤيد للدولة تأييدا
عاطفيا سارع إلى إسقاط لواء العاصفة واعتباره من الصحوات العميلة، وتناقل الرواية
التي تؤيد موقفه دون تثبت.

وكلاهما لا يتثبت! وكلاهما لا يـُحكِّم الشريعة في نفسه
بالسماع من الطرفين والتثبت من الأخبار! فالأول كوَّن انطباعا عن جماعة الدولة ثم
هو يفسر كل حدث جديد بما يضيف إلى رصيد هذا الانطباع ككرة الثلج المتدحرجة!
والثاني يوالي على الجماعة، فوقوع نزاع بينها وبين أي
طرف دليل كاف لديه على عمالة وخيانة هذا الطرف!

لست هنا بصدد الدفاع عن لواء العاصفة، بل قد ساءني فيديو
اطلعت عليه فيه حفاوة اللواء بجورج صبرا الذي جاء قبل فترة لـ”يتفقد”
أعزاز. لكن إخوتي دعونا لا نقف عند هذا الحادث بعينه، ولا عند طرفيه وموقفنا
منهما، بل عند طريقة تعامل الفصائل المقاتلة ومؤيديها مع النزاع. فالخلل في
الطريقة سيؤدي إلى تكرار الأخطاء في النزاعات الأخرى التي يمكن أن تنشأ مستقبلا
بين أي فصيلين مقاتلين، ولئن وُئدت الفتنة هذه المرة في مهدها، فإنا نخشى أن فتنا
أخرى لن توأد، بل ستتفاقم ونساهم نحن المتابعين في تأجيجها إلى أن نصل إلى نتائج
مأساوية، خاصة مع جهود شياطين الإنس الحريصين على ضرب الفصائل ببعضها من خلال عملائهم
المندسين وإعلام الفتنة.

إخوتي، أحداث أعزاز تؤكد على ضرورة انتهاج مبدأ التحكيم
الشرعي في النزاعات التي تقع بين الفصائل المقاتلة، بدلا من حسم الأمور ميدانيا
دون تحكيم ودون وضوح القضية في عيون الجميع. ليس هذا شيئا مفضلا أو مرغوبا، بل
ضرورة قصوى لمنع تكرار الحادث، وبنتائج أكثر خطورة.

حتى لو سلمنا بالرواية المنتشرة من أن لواء عاصفة الشمال
بدأ العدوان بقتل اثنين من رجال الدولة، فالتحكيم يبقى مهما جدا لتحقيق العدل ومنع
الفتنة. فالذين يؤيدون اقتصاص جماعة الدولة لدماء جندييها رحمهما الله، إنما يصبون
اهتمامهم على استحقاق لواء العاصفة للقتال بما أنهم اعتدوا –حسب الرواية- وينسون
أن التحكيم يحقق أهدافا مهمة لا تتحقق بلجوء المعتدى عليهم إلى القصاص بأنفسهم.

فالمحكَّمون يقومون بالسماع من الطرفين، حتى من الطرف
الذي يظهر مبدئيا بغيه، وهذا واجب من يدخل في فض النزاع حتى وإن كان أحد الطرفين
كافرا من أهل الذمة. ولواء العاصفة ليس كافرا محاربا ليسقط حقه في السماع منه، ولا
تعتبره الدولة كذلك، وإلا لما قبلت بتعيين حكم من طرفه في اتفاق التهدئة في
النهاية.

ثم بعد سماع الطرفين يعلن المحكَّمون ما ظهر لهم من أدلة
بحيث يتخذ الناس مواقفهم عن بينة. فأفراد عاصفة الشمال الذين لم يشاركوا في البغي
سيكونون على علم بما فعله زملاؤهم واستحقاقهم للعقوبة، وكذلك أهل المقاتلين ومؤيدو
الطرفين.

أما عندما يقتص فصيل بنفسه دون اللجوء إلى التحكيم
الشرعي فإن بعض المقاتلين من الطرف الآخر يجد نفسه في صراع لا يعلم سببه، فيقاتل
دفاعا عن نفسه أو نصرة لجماعته فيقتله الفصيل المقتص مع أنه غير مستحق للقتل شرعا،
فيقع الفصيل المقتص في مخالفة قوله تعالى: ((ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه
سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا)).

ثم تتوسع دائرة الصراع إلى أهالي المقاتلين الذين لم
يعلموا أن أبناءهم هم من بدأ الاعتداء إذ لم يظهر هذا لغياب التحكيم، فيغضبون لمن
قُتل أو أوذي من أبنائهم، بما يشكل بيئة خصبة جدا للصحوات!

ويسارع المتحفظون على جماعة الدولة إلى اعتبار ما فعلته
“دليلا آخر على ظلمها” ويسارع مؤيدوها إلى تخوين لواء العاصفة، فيكون
الفريقان قد وقعا في محظور شرعي إذ لم يلتزموا أمر الله بالتبين، وظلم كل منهما
فصيلا لحساب آخر، وتزداد حالة الاستقطاب وتتوسع الفجوة بين هؤلاء وهؤلاء. ولنسأل
أنفسنا إخوتي: مَن مِنا توثق قبل أن ينطق بكلمة في الأمر امتثالا لأمر الله عز
وجل؟!

وأمر مهم آخر، وهو أن التحكيم يساعد في كشف المندسين إن
كانوا هم من أشعل نار الفتنة عن عمد ابتداء، بينما يضيع هؤلاء في زحمة ردود الفعل
والحسم السريع الذي يجعل القضية أكثر تعقيدا وتشابكا.

لذلك كله إخواني لا ينبغي أن يكون محل بحثنا استحقاق أو
عدم استحقاق فصيل ما للقصاص فحسب. بل حتى لو استحق القصاص فلا بد أن يكون ذلك من
خلال هيئة شرعية أو تحكيم منعا للفتن المذكورة.

أمر آخر نذكر به إخواننا، ألا يكونوا أسرع حزما وحسما في
الاقتصاص لدمائهم من سرعتهم في أداء ما عليهم أو تقديم من اتُّهم منهم بدماء للتحكيم
الشرعي لئلا يقع في نفوس إخوانهم أنهم يعظمون دماءهم على دماء من دونهم من
المسلمين. فليس دم مسلم أغلى من دم مسلم آخر، إذ كما قال نبينا صلى الله عليه
وسلم: ((المسلمون تتكافأ دماؤهم)).

نختم بإعادة التأكيد على ضرورة تشكيل هيئة شرعية يلتزم
الجميع بالرجوع إليها، وعلى أقل تقدير اعتماد التحكيم كمبدأ لا محيد عنه، وإلا
فإني أرى أعداء الله سيتسللون من خلال الثغرات في طريقة تعامل الفصائل وأنصارها مع
النزاع، فيكتفون –بعملائهم المندسين- بإشعال نار فتنة ثم يتركون ثغراتنا هذه تفاقم
الفتنة إلى أن تنشغل ثورة الشام بنفسها عن العدو الأصلي.

قد يقول قائل: وما الداعي لهذا الكلام كله ما دام
الطرفان اتفقا أخيرا على التحكيم؟ والجواب أن هدفنا ليس الوقوف على الحادثة
بذاتها، وإنما التنبه إلا الأخطاء التي يمكن أن تسير بالأمور سيرا خطيرا في حوادث
أخرى. فهذه المرة وفق الله الطرفين إلى وقف القتال والقبول بالتحكيم أخيرا، ووفق
لواء التوحيد إلى السعي في التهدئة بدلا من مظاهرة طرف على آخر، وإلا فكان من
الممكن أن تتفاقم المشكلة ولا زال الخطر قائما ما لم نستدرك…((وقل لعبادي يقولوا
التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا)).

أسأل الله أن يرحم من توفي من المسلمين في هذه الأحداث
وأن يغفر لإخواننا جميعا ويوفقهم لوأد هذه الفتنة.
والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم.

______________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]