New article from Shaykh Ḥussayn bin Maḥmūd: "Upon the Manhaj of Prophecy"

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله مالك الملك القادر القاهر فوق عباده ، ثم الصلاة والسلام على من بُعث بين يدي الساعة بالحُسام لقتال الناس حتى يعبدوا الله وحده أو يصيبهم الذل والصغار لمخالفتهم أمره .. أما بعد ..

تواترت الأخبار عن النبي المختار بأن الخلافة كائنة في آخر الزمان ، وأنها بعد الحكم الجبري البغيض ، ولم يخبرنا صلى الله عليه وسلم عن كيفية إحياء هذه الخلافة ، إلا أنه قال بأن مآلها “خلافة على منهاج النبوة” .. متى ستكون هذه الخلافة بهذه الصفة ؟ وكيف ستصل الأمور من الحكم الجبري إلى المنهج النبوي ؟

ليس في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ما يشير إلى هذا التسلسل أو إلى حلقة الوصل ، إلا أن الأحاديث تخبرنا بأن آخر هؤلاء الخلفاء “محمد بن عبد الله” المهدي الحسني القرشي الذي في عهده ينزل المسيح عيسى بن مريم عليه السلام على المنارة البيضاء بدمشق ، فالأخبار توحي بأن الشام ستكون تحت الحكم الإسلامي إلا فلسطين سيكون فيها اليهود الذين سيقاتلهم الجيش الإسلامي ، واليمن وجزيرة العرب فيها المجاهدون وخيار المسلمين الذين سيبايعون المهدي عند الكعبة ، وستكون ملحمة كبرى مع الروم (ربما الغرب حالياً) الذين سيأتون بأساطيلهم الحربية لقتال المسلمين الذين سبوا منهم ، ففي هذه الأخبار إشارة أن سنّة السبي سترجع في آخر الزمان ، وأن الغرب الصليبي أعداء هذه الأمة إلى آخر الزمان ، وأن الخلافة سترجع قبل المهدي بزمان ..

إذاً الخلافة ستقوم ، شاء من شاء وأبى من أبى ، ولكن هل بداية رجوع الخلافة هي التي على منهاج النبوة ، أم نهايتها أم خلالها ؟ لا أعلم نصوصاً تطرقت لهذه المسألة ، فالأمر من علم الغيب ، ولكن الذي نعرفه أن النبوّة قد مضت على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، والخلافة الأولى التي على منهاج النبوّة هي فترة خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة (وقد ضم بعضهم فترة خلافة الحسن بن علي رضي الله عنه) ، وهذه الخلافة قامت على البيعة الشرعية ، وهذا بعض تفصيلها :

توفي الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يستخلف أحداً ، وإنما أشار إشارات ولمّح تلميحات توحي بأفضلية الصدّيق رضي الله عنه ، ولما اجتمع الأنصار في السقيفة ذهب إليهم صدّيق هذه الأمة وفاروق هذه الأمة وأمين هذه الأمة وتناقشوا برهة ثم اختاروا الصدّيق رضي الله عنه وبايعوه ، ثم بايعه كبار الصحابة وأهل الحل والعقد فصار بذلك خليفة للمسلمين .. لما أحسّ الصدّيق بدنو أجله شاور كبار الصحابة في استخلاف عمر ، فرضي أكثرهم واعترض البعض ، فما زال بهم الصديق حتى وافق الجميع ، ثم خاطب الصديق أهل المدينة وطلب منهم الموافقة على من يستخلف ، فوافقوا ، فاستخلف عمر ، فصار عمر خليفة بعد أن بايعه ورضيه أهل الحل والعقد في الأمة ..

بعد أن طُعن عمر رضي الله عنه ، ترك الأمر شورى في الستّة ، وكلّهم من المبشرين بالجنة ومن كبار الصحابة الذين يرضاهم الناس ، فجعل الستّة الأمر لعبد الرحمن بن عوف يختار بين علي وعثمان رضي الله عنهم أجمعين ، فشاور عبد الرحمن أهل المدينة كبارهم وصغارهم فلم يعدلوا عن عثمان ، فبايع عثمانَ وبايعه الناس في المدينة فصار خليفة بعد مبايعة أهل الحل والعقد .. ثم قُتل عثمان ، وعَرض الثوار الخلافة على بعض كبار الصحابة فأبوا ، ثم ألحّوا على علي فوافق بشرط أن يبايعه الناس علانية في المسجد ، فخرج الناس لمبايعته وراسل امراء الأمصار فبايعوه إلا أهل الشام ، فصار علي – بمبايعة أهل الحل والعقد في المدينة ، ومبايعة عموم المسلمين – خليفة شرعي ، ولم ينازعه أهل الشام في الخلافة كما يعتقد البعض ، وإنما قالوا بضرورة تسليم قتلة عثمان للقصاص ..
أما خامس الخلفاء الراشدين “عمر بن عبد العزيز” رضي الله عنه لما آل إليه الأمر بالإستخلاف : خلع نفسه وجعل الأمر للمسلمين وأرجعها شورى ، فبايعه المسلمون من أهل الحل والعقد ، فصار بذلك خليفة شرعي ، بل خليفة راشد ومجدّد للخلافة على منهاج النبوّة ..

هذا اختصار قصة المبايعة في عهد الخلافة التي على منهاج النبوّة ، ولم تكن بينها مبايعة بالسيف رغم الناس ، فكلها مبايعات بالرضى من أهل الحل والعقد ومن عموم المسلمين ، ولعلّ أوّل خلافة بالغلبة كانت لعبد الملك بن مروان الذي قاتَل منافسه ابن الزبير وقتله في مكّة ، وقد أفتى العلماء بجواز حكم المتغلّب حقناً للدماء ، وليس هذا الحكم أصلاً في اختيار الخليفة ، بل هو اجتهاد لضرورة ألمّت بالأمة ، وإلا فإن الأصل في اختيار الخليفة أن يكون من قبل أهل الحل والعقد في الأمة ، وهذا يزيد بن أبي سفيان لما بويع بالخلافة أرسل إلى والي المدينة ليأتيه ببيعة ابن الزبير والحسين رضي الله عنهم بأي ثمن ، وذلك لعلمه أن حكمه لا يستقر إلا ببيعة أمثال هؤلاء المتبوعين من أهل الحل والعقد في الأمة ، وهذا ما كان متعارفاً عليه بين الصحابة والتابعين وتابعيهم ، وإلا لاكتفى يزيد ببيعة من عنده ، خاصة وأن عنده الشوكة والقوة ، وهذان رجلان فقط في المسلمين ..

إن إرجاع الخلافة على منهاج النبوّة لا يكون إلا بما كان في عهد الخلافة الأولى من أحكام ، ولا يصلح أخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ، فلا بد من مبايعة أهل الحل والعقد في الأمة حتى يكون الخليفة شرعياً ، وقد ذكرنا في غير هذا الموضع أن أهل الحل والعقد اليوم هم العلماء الربانون وقادة الجهاد في خراسان والقوقاز وجزيرة العرب والمغرب والصومال وغيرها من الثغور التي فيها القتال تحت راية إسلامية واضحة ، ولو بايع هؤلاء فإن البيعة تكون صحيحة وملزمة للمسلمين في الأرض ، ولا مجال بعدها للاجتهاد ولا الجدال ..

لقد طالبني البعض بذكر موقفي الواضح الجلي من إعلان “الدولة الإسلامية” للخلافة ، ومبايعة البغدادي – حفظه الله – ، وهل هي شرعية ، وهل تلزمنا البيعة ، ولأن هذه المسألة من أعظم المسائل وأخطرها ، لا بد أن يكون البيان واضحاً جلياً مستوفياً حتى لا تكون ضبابية ، فأقول مستعيناً بالله :

أولاً : لست شيخاً للإسلام ولا مفتياً للأنام ، وإنما أنا رجل من المسلمين أجتهد بعقلي القاصر وعلمي البسيط ، فما كان حقاً فبفضل الله ، وما كان خطأً فمني ومن الشيطان ، والدين من الخطأ براء ..

ثانياً : رأيي واجتهادي القاصر لا يُلزم أحداً ، وإنما هو ما أدين الله به ، وما أرضاه لنفسي ، فلا يقول أحد بأن هذا هو رأي الشرع ، وإنما هو رأيي واجتهادي القاصر الذي يحتمل الخطأ والصواب ..

ثالثاً : رأيي في البيعة هو رأي عبد الله بن عمر رضي الله عنه حين قال : “إنما أنا رجل من المسلمين ، ابايع إذا بايعوا” أو كما قال ، وعليه : إذا بايع أهل الحل والعقد الذين ذركتهم آنفاً فأنا تبع لهم ولعامة أهل الحل والعقد في الأمة .. أرى أنه لا تتم البيعة الشرعية إلا بمبايعة أهل الحل والعقد في الأمة أو أكثرهم ، هذا ما أدين الله به بعد مراجعة النصوص وأقوال أهل العلم ، وهو اجتهاد يحتمل الخطأ والصواب ..

رابعاً : لا يعني هذا أننا لا نناصر “الدولة الإسلامية” أعزها الله ونصرها ، بل نحن معها في حربها ضد أعداء الدين من الرافضة والمنافقين والمرتدين ، نشد على يدها وندعوا الناس في العراق للإنضمام إليها والقتال تحت رايتها ما دامت تقاتل الأعداء ، فهي الراية الأقوى والأوضح والأسلم في العراق اليوم ، فلها منا الولاية والنصح والنصرة ، وحتى من لم ير صحة دعوتها بالخلافة ، ندعوه للقتال تحت رايتها لبأسها وشدة نكايتها بالعدو ، فهي دولة قائمة وجيش مسلم وإن لم يرها البعض خلافة ..

خامساً : ما بلَغنا عن الشيخ البغدادي يجعلنا نعتقد بأنه أهل لهذه الأمانة ، ولا نعيبه في شيء من أمورها ، ولا نعلم رجلاً نقدّمه عليه في هذا الأمر اليوم ، فهو صاحب جهاد وتضحية وعلم وقوّة وأمانة ونسب ، وإنما نأخذ عليه عدم مشاورته لإخوانه من أصحاب الشأن في هذا الأمر ، ولو فعل لكان خيراً له وللمسلمين ، ولاجتمعت الكلمة ، والله تعالى يقول {وأتوا البيوت من أبوابها} ..

سادساً : لسنا مع الدولة في قتال المسلمين ولا التوسّع في تكفيرهم ، ونهيب بالدولة أن تسعى لجمع الكلمة ولم الشمل والتواصل مع الجماعات المقاتلة في الشام وعمل أقصى الوسع لتجاوز الخلافات والقتال صفاً واحداً ضد النصيرية وأعداء الملّة ، كما نهيب بشيخنا البغدادي – حفظه الله وأيّده – أن يأمر جنوده بعدم الخوض في مسائل التكفير ، وعدم التعرض لأهل السابقة في الجهاد ، وللعلماء ..

سابعاً : أناشد قادة الجهاد في خراسان والعراق وغيرها أن يتقوا الله عز وجل ولا يفرّقوا كلمة المسلمين ، ولا يقطّعوا أمرهم بينهم ، ولا يتنازعوا ، وأن يتفقوا على كلمة سواء ، وأن يوحدوا صفوفهم وراياتهم ، وأن يتواصلوا فيما بينهم ويتواصوا بالحق ، وأن لا يكون التنافس على شيء من الدنيا فإنها زائلة ، وإنها دار الغرور ، والآخرة هي الحيوان ودار القرار ..

ثامناً : من رأى من المسلمين مبايعة البغدادي فهذا اجتهاده ، ولا ننكر عليه ، فالدولة الإسلامية من القوة والتمكين ما يؤهلها لحَمل هذا الحِمل الثقيل ، نسأل الله أن يؤيدها وينصرها على العدو ، وندعوا بقية الفصائل المجاهدة أن يتركوا الدولة تقاتل العدو ، فإن ظفرت به فهو للمسلمين ، وإن كانت الأخرى – والعياذ بالله – لم تتحملوا وزر قتال المسلمين ولم تعاونوا العدو على إخوانكم ..

تاسعاً : نقول للدولة : لا تُلزموا المسلمين بشيء لهم فيه فسحة ، وادعوا إلى سبيل ربكم بالحكمة والموعظة الحسنة وبالتي هي أحسن ، ولا تطلبوا بيعة الأيادي دون العقول والقلوب ، واشتغلوا بقتال العدو الكافر وأثخنوا فيه ، فهذا حريّ أن يجمع الناس عليكم فيعرفوا صدقكم وحقيقة أمركم ..

عاشراً : أُوجّه كلمة للمسلمين ، فأقول : ينبغي التنبّه لمكر العدو ، فأوباما أعلن عن خمسمائة مليون دولار لدعم الجماعات المقاتلة المعتدلة في سوريا ، وفي اليوم التالي نرى دبابات بعض الجماعات تعطي ظهرها للنصيرية وتقصف أماكن تواجد الدولة في الشام بالتزامن مع قصف النصيرية للدولة في العراق وقصف الطائرات الإيرانية والرافضية للمسلمين فيها ، فهل كل هذا صدفة !! هل من باب الصدفة أن يجتمع خبراء عسكريون روس مع خبراء أمريكان وإيرانيون في بغداد لحرب المجاهدين !! هل يجمع المالكي الرافضة من الهند وباكستان وأفغانستان واليمن ولبنان وإيران والخليج لقتال الدولة التي يزعم البعض بأنها عميلة له وهي التي تذبح جنوده في طول العراق وعرضها !!

حادي عشر : البعض يتسائل ، من هم أهل الحل والعقد ؟ الجواب بعد هذا المثال : لو أن خاطباً جاء يخطب ابنة رجل ، فإن هذا الرجل يستخير الله ثم يستشير ويسأل من يثق به – ويعرف حسن رأيه وعقله وصدقه – عن دين الخاطب وخُلقه ، ثم يجيب الخاطب ، ولو أنه زوّج ابنته دون سؤال فقد ضيّعها وخان الأمانة ، فلا بد أن يعرف دين الرجل وخلقه وهل يصلح لابنته ، وهذا عن طريق الثقات من أهل العقل والفهم .. إن كان هذا في خطبة فتاة ، فكيف بخلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته !!

أهل الحل والعقد هم الذين يثق الناس بعلمهم وعقلهم وصدقهم ونصحهم ، فهم وجهاء الأمة وقادتها الذين يتبعهم الناس ، ولا يصلح أن يكون أهل الحل والعقد مجهولين ، فهذا لا يصح في الذهن ، قد يكون الخليفة المنتخب مجهولاً للناس ، ولكن لما بايعه أهل الحل والعقد انتفت الجهالة بعلم هؤلاء ، فهؤلاء الذين يختارون للناس ، والناس تبع لهم .. كان كبار الصحابة في المدينة هم أهل الحل والعقد ، ثم صغار الصحابة في المدينة ودمشق ، ثم كبار التابعين وقادة الجيوش والعلماء والوجهاء ورؤساء القبائل في دمشق وغيرها ، ثم أمثالهم في بغداد عاصمة الخلافة ..

رأيي أن أهل الحل والعقد اليوم هم العلماء الربانيون وقادة الجبهات ، وعلى رأس هؤلاء الملا عمر والظواهري وأمثالهما ، ولا يتصور الإنسان عقد بيعة للخلافة اليوم دون مشورة هؤلاء ، فأكثر المجاهدين في أفغانستان وباكستان وكشمير يتبعون الملا عمر ، وأكثر المجاهدين في جزيرة العرب والمغرب والصومال وغيرها يتبعون الظواهري ، وهناك إمارة إسلامية في القوقاز لها أمير ، والجبهة العراقية جديدة ، وهؤلاء أهل سابقة والناس يعرفونهم وهم محل ثقة المسلمين ، والله تعالى يقول {فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون} وأهل الذكر في هذه المسألة هم أهل الحل والعقد المذكورين آنفا ، فالناس يسألونهم ، وهم يجتهدون للناس في مثل هذا ، فلا يمكن تجاوزهم في مثل هذا الأمر الخطير ..
ثاني عشر : لقد استهزأ البعض بالأفغان في بداية الحرب السوفييتية ، وقالوا شرذمة مجنونة من الباتان يحاربون أعتى قوّة في الأرض ، فانتصرت هذه الفئة القليلة بفضل الله ومنّته ، وبعد النصر قالوا : هم عملاء للأمريكان ، وهذه حرب سوفييتية أمريكية ، وهؤلاء الأفغان مبتدعة قبوريون !! ثم جاء الطالبان وقالوا : شرذمة متشددة تقاتل المسلمين (القبوريين بالأمس) وتقتلهم ، فلما سيطروا على (95%) من أفغانستان قالوا : هؤلاء عملاء لباكستان وصنيعة المخابرات الباكستانية ، ثم عملاء للأمريكان !! ثم ظهر الشيخ أسامة فقالوا : مجنون يحلم بمقارعة أمريكا ، فلما أثخن في الأمريكان قالوا : عميل لأمريكا يعطيها المبرر لاحتلال الدول الإسلامية ، فلما حاربته أمريكا قالوا : جبان مختبئ في الكهوف ويريد أن يحارب الدنيا ، فأنشا جماعات في كل الأرض وحارب الكفر في كل مكان فقالوا : خارجي ضال !!

احتلّت أمريكا العراق وظهر الزرقاوي فقالوا : إرهابي خارجي مجنون يسيء للمسلمين !! فلما أثخن في العدو وأنشأ “دولة العراق” قالوا : يفتئت على المسلمين في العراق ويحدث فتنة طائفية ، فأراهم المالكي وأعوانه معنى الطائفية !! ثم قامت “الدولة الإسلامية في العراق والشام” ولم يزهد هؤلاء النقّاد والمحللين السياسيين العظام في الكلام ، بل لم يتركوا كلمة أو جملة أو عبارة إلا ورموا الدولة بها : فقالوا كرتونية ، وقالوا وهمية ، وقالوا عميلة لإيران وأمريكا والمالكي والصهيونية والسعودية وتركيا والبعث … ، وقالوا تكفيرية ، وقالوا إرهابية ، وقالوا خارجية ، وقالوا تقاتل المجاهدين (خوارج وضلال الأمس) وقالوا وقالوا ولا زالوا يقولون ، والدولة تفتح البلاد ، وتقارع الأعداء ، وتُرهب المرتدين ، وتذبح المعتدين ، وتفك أسرى المسلمين حتى كانت الفتوحات الأخيرة التي أرهبت الدنيا ، وأقضّت مضاجع قوى الشرّ في الأرض ، فارتعدت فرائص الطغاة ، واجتمع أعداء الأمس في الغرف المظلمة ، وتناسوا خلافاتهم ليواجهوا هذه الكارثة ..

الخيانات التي واجهتها الدولة الإسلامية في العراق لم تكن بسيطة ، فكثير ممن ينتمون لأهل السنة غدروا بالمجاهدين واتفقوا مع الصليبيين والرافضة لوأد الحركة الجهادية في العراق ، وقُتل الكثير من المجاهدين وعُذّبوا بسبب ما يسمّى بـ “الصحوات” ، وكان لزاماً أن يُعلن المجاهدون كفر هؤلاء العملاء ومحاربتهم وتصفيتهم لتولّيهم الكفار والرافضة ، فمسألة التوسّع في التكفير – والتي نخالفها – لا تُلام عليها الدولة بقدر ما يُلام عليها هؤلاء العملاء ومَن خلفهم ، وهذه الحساسية من الخيانة والغدر لا زالت مصاحبة لقيادة الدولة في حروبها ، ونحن إذ نعذرها بعض الشيء إلا أننا نريدها أن تلتزم بالضوابط الشرعية ، فلا تُفْرط ولا تفرّط ، {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا} {ولا تزرُ وازرةٌ وزرَ أُخرى} فليس كل مخالف يكون من “الصحوات” ويصبح كافراً أو مغيّراً ومبدّلاً ، ولا كل موافق يكون صديقاً ونصيرا ، فكل حالة لها حكمها ، وكل ظرف له اجتهاده ..

ثم أوجّه كلمة للشيخ العدناني – حفظه الله وغفر له – فأقول :

إن مقدّمة بيان الخلافة التي ألقيتموه على الناس من أحسن ما سمعت ، ولكن بعد إعلان الخلافة جاءت بعض الأمور التي كان بوسعكم تركها ، فالخلافة لم شملٍ وجمع كلمة ، وليست تهديد ووعيد وانتقاص من فئة أو جماعة ، كان بوسعكم الإكتفاء ببيان الخلافة دون ذكر الجماعات والأحزاب والقيادات ، وكان بوسعكم إعلان الخلافة دون تهديد ووعيد ، كان الأجدر بكم إعلان الخلافة بصيغة التودد للمسلمين والتقرّب إليهم ، فما كان الرفق في شيء إلا زانه ، والمسلمون رحماء بينهم ، والله تعالى أمر نبيّه صلى الله عليه وسلم باللين مع أتباعه ، فأصل مخاطبة أهل الإسلام : الشفقة والرحمة والرأفة والتودد ، وأصل مخاطبة الكفار : الشدة والغلظة والوعيد والتهديد {أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم} ، وخطاب الإستعلاء لا يكون مع المسلمين ، بل مع الكفار {أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين} فلا ينبغي خلط هذا بهذا ، غفر الله لنا ولكم وهدانا وإياكم لما فيه صلاح المسلمين ..

ختاماً أقول :

إن حلم الخلافة راود أجيالاً متعاقبة من المسلمين ، وبذل خيار هذه الأمة الأموال والأنفس في سبيل التمهيد لرجوع هذه الخلافة ، ولا أعلم جماعة إسلامية قامت إلا وهي تحلم هذا الحلم وتتوق إليه ، فليس إعلان الخلافة بالأمر المهيّن كما يظن البعض ، والغريب أن الدول الكافرة أدركت خطورة هذا الإعلان فتناست الصين وأمريكا وروسيا خلافاتها ودخلت الشام والعراق لمحاربة هذه النواة التي تهدد وجود الكفر في الأرض ، وبعض المسلمين يسخرون من الأمر ولا يُدركون حجم هذه المبادرة الكبيرة والخطيرة ، فالأمر ليس بهذه السذاجة ، وليس بالأمر العابر !!

كلنا يحلم بقيام الخلافة ، وكلنا يتوق إليها ، وكلنا يسأل الله أن تتحقق على يد فئة مؤمنة قوية ذات شوكة تستطيع تحمّل أعبائها ، ولكن مثل هذا الأمر الكبير والخطير لا ينبغي أن يقوم دون قواعد شرعية صحيحة ، ودون مشورة قادة الأمة وأهل الحل والعقد فيها ، فالأمة كلها معنيّة بأمر الخلافة ، والأمة كلها تلزمها البيعة للخلافة الشرعية ، ولا تكون خلافة إلا برضى الأمة عن طريق أهل الحل والعقد ، وهذا هو الصحيح الذي ندين الله به ، ونسأل الله تعالى أن يتحقق عاجلاً ، ولا يهمنا من يكون الخليفة بقدر ما تهمنا الخلافة ذاتها .. لا تهمنا الأحزاب ولا يهمنا الأشخاص بقدر ما يهمنا قيام أهل الشأن بهذا الأمر ، فإذا قاموا به فنحن لهم تبع ..


والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..

كتبه
حسين بن محمود
2 رمضان 1435هـ

__________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]

1 Reply to “New article from Shaykh Ḥussayn bin Maḥmūd: "Upon the Manhaj of Prophecy"”

Comments are closed.