New article from Shaykh Ḥussayn bin Maḥmūd: "Image of the Birds"

بسم الله الرحمن الرحيم

جدّت أمور ، وانقشع الغبار عن بعد مخططات الأعداء ، وتبيّن أن الحرب الإعلامية على الدولة الإسلامية لها أبعاد محددة يخطط لها المتربصون بالأمة .. لاشك أن تشويه الدول الإسلامية القصد منه تشويه الإسلام عامة ، وأهل الجهاد خاصة ، ولكن القوم لهم أهداف وخطط يأملون أن تنتهي بعض خطواتها ليُتموا ما يحلمون به من تدمير العمل الجهادي برمته في العراق والشام ..

هناك مخطط لضرب الجهاد عن طريق الزج بالجيش المصري والتركي في سوريا ، والدفع بالجيش الإيراني مع العراقي والأردني في العراق ، مع الغطاء الجوي الأمريكي والفرنسي والبريطاني والخليجي والعربي .. هذا المخطط لا بد له من حاضنة شعبية داخل حدود الدولة الإسلامية ، ولا بد له من مساندة الجماعات المقاتلة في العراق وسوريا ، فهذا الحرص على إذكاء روح العداوة بين الجماعات المقاتلة في سوريا وبين الدولة الإسلامية : هو خطوة ضمن هذا المخطط الخبيث لاستئصال شأفة الجهاد في الشام خاصة ، وحفظ حدود الدولة الصهيونية في فلسطين ، والإبقاء على الحكومة النصيرية خنجراً في خاصرة المسلمين ..

الذي يؤخر مخططهم في الشام هو عدم وجود جماعات “معتدلة” قوية تحارب “إرهاب” الدولة الإسلامية ، ولمعرفة حقيقة المخطط : ينبغي معرفة قصدهم من الإرهاب والاعتدال ؟!

أما الجماعة المعتدلة : فهي الجماعة التي توالي الأمريكان والمرتدين ، وتعمل على تحقيق مصالحهم في سبيل تحصيل مكاسب مادية أو سياسية ، وتُصنع على عين أمريكا عسكرياً وسياسياً ، وتدعهمها أمريكا بالتدريب والتسليح ومخابراتياً ، وتموّلها الدول النفطية ..

أما الإرهاب : فهو الإسلام ، فكل جماعة غير “معتدلة” – بمعنى الإعتدال أعلاه – هي جماعة إرهابية وإن حاربت الدولة الإسلامية ، فصفة الإرهاب ملازمة لكل جماعة مسلمة تريد قتال أعداء الإسلام لتقيم – بعض أو كل – شعائر الإسلام في بلاد المسلمين ، ولنأخذ “جماعة الإخوان المسلمين” مثالاً : الإخوان جماعة إرهابية رغم إعلانها عدم إرادة الحكم بالشريعة ، ورغم إعلانها الدولة المدنية ، ورغم إعلان إيمانها بالديمقراطية والتعددية ، ورغم تقربها وتوددها للنصارى والكنيسة المصرية ، ورغم إعلان احترامها للمعاهدات الدولية عامة ، ومعاهدة كامب-ديفد خاصة ، ورغم إعلان حكومة الإخوان الحرب على الجماعات “الإرهابية” في سيناء ، ورغم إعلانها الوسطية والاعتدال والعقلانية وإعتمادها المواثيق الدولية !! لم يشفع لها كل هذا ، وبقيت جماعة إرهابية لأنها جماعة “إسلامية” ، وهم “إخوان مسلمون” ، وهذا الوصف كافٍ لوصمهم بالإرهاب رغم محاولة الإخوان تفريغ الوصف من محتواه ، ولكنهم فشلوا في الوصول بالتفريغ إلى مستوى الإعتدال المطلوب ..

إذاً : أمريكا تحتاج في سوريا إلى “الإعتدال” بمنظورها – والذي هو “الردّة والكفر” بالمنظور الشرعي – لمحاربة “الإرهاب” الذي هو الإسلام ، فهي لا تريد قتال جماعة بعينها كما يعتقد البعض ، فالنصارى حربهم على الإسلام ، لا على جماعة مسلمة ..

الأمر الآخر الذي يؤخر مخطط الأعداء لبدء ضرب الجهاد في الشام هو : “أردوغان” ، فهذا الرجل مصرّ على التخلص من “الأسد” في أي تسوية أو حل للقضية السورية ، وفي ذات الوقت لا يريد التعامل مع “السيسي” لأنه حاكم “غير شرعي” ومغتصب للسلطة “الشرعية” المتمثلة في “مرسي” وحكومته (كما يقول) ، ولا ندري إن كانت هذه قناعات أم أن الرجل لا يريد توريط دولته في حرب مع الدولة الإسلامية ، فالرجل عمل جاهداً على إخراج بلاده من حروب إستنزاف ، وقام بعمل جبار في الجانب الإقتصادي والسياسي ، فدخوله في حرب مع الدولة سيكلفه الكثير لأن تركيا لها حدود كبيرة مع الدولة ، وجنود الدولة “أشباح” لا يمكن التبؤ بما قد يفعلونه بتركيا ، فتركيا ستصير خراباً إن أعلنت الحرب على “الدولة الإسلامية” ، والجيش التركي الذي استنزفه الأكراد العلمانيون لا يمكن أن ينتصر على الدولة الإسلامية ، وبضع تفجيرات في اسطنبول وأنقرة كفيلة بهدم كل ما بناه أردوغان وحزبه ، وهذا ما تريده أمريكا وأوروبا وصهاينة اليهود والعرب والمعارضة التركية الذين يستميتون لجر تركيا في هذه الحرب حتى يسقط أردوغان وحزبه “الإسلامي” ، وتتوقف تركيا عن منافسة دول أوروبا اقتصادياً ، وإحراجهم سياسياً ، ويسقط ويفشل أي نموذج “إسلامي” ناجح ..

إن الحملة الإعلامية المسعورة على الدولة الإسلامية ليس المقصود منها الوقوف عند تشويه صورتها ، بل المقصود إقناع الجماعات المقاتلة في سوريا بضرورة محاربة الدولة الإسلامية ، وعندما فشلت الجهود الإعلامية والدبلوماسية والسياسية لتحقيق أهدافها المرجوة : لجأ القوم إلى استغلال الدين برمي الدولة بالخارجية لإقناع الجماعات المقاتلة بقتال الدولة من منطلق شرعي ، وهذا هو سر إصرار الكثير من أعداء الدولة اليوم على وصف “الخارجية” ، فالأمر ليس عشوائي ، بل هو مخطط مدروس ينفذه البعض عن علم أو جهل ، وهذا سر خروج رسائل وفتاوى ومقالات كثيرة في الآونة الأخيرة موجّهة لأفراد الجماعات المقاتلة – في سوريا على وجه التحديد – تحثها على قتال الدولة من هذا المنطلق ، وإذا نجحوا في إيجاد حاضنة شعبية تستطيع الوقوف في وجه الدولة الإسلامية ، عندها سيقومون بالخطوة التالية ، وهي : التدخل عسكرياً للقضاء على الدولة ، ثم على بقية الجماعات المقاتلة الغير معتدلة التي وقفت متفرجة على الدولة لخلافها معها ، ثم الإتفاق مع المعتدلة على صيغة لحكومة مدنية تحمي الأقليات الدينية في سوريا وتضمن أمن وسلامة حدود يهود الشرقية ، وربما عملوا على تقسيم سوريا بين الطوائف كما فعلوا في العراق ، وهذه هي ذات الخطة بحذافيرها التي نفذت في أفغانستان وقضت على حكم طالبان ، ولكن بدل الخارجية ، قالوا : طالبان بشتون عملاء للباكستانيين ، والقاعدة وهابية حنبلية تريد تغيير دين الأفغان ومذهبهم الحنفي ، والمجاهدون العرب أتوا لنكاح الفتيات الأفغانيات وسبيهن ، وخرجت فتاوى ودراسات ورسائل في بلاد العرب قررت “خارجية” القاعدة وبدعية طالبان !!

الحرب الإعلامية على الدولة الإسلامية في العراق عجيبة : فهي خارجية عند بعض السنة ، ناصبية عند الرافضة ، وهابية عند الصوفية ، مسلمة عند النصارى واليزيدية والعلمانيين ، بعثية عند الموتورين والمغفلين ، غالية متنطعة عند “المعتدلين” ، سلفية جهادية جاهلة مفسدة للعملية السياسية السلمية عند الإخوان ، سنّية عربية عند إيران ، طموحة في توسعها عند الدول العربية ، تطمع في تحرير فلسطين عند اليهود وحراسها العرب ، تهدد المصالح السياسية والاقتصادية لروسيا والصين ، تفسد مخططات الإحتلال الأمريكي ، تهدد بغزو أوروبا ، تستقطب الكثير من المجاهدين من أوروبا ودول العالم فتحولهم إلى إرهابيين ، تقطع الرؤوس بهمجية ، وتسبي النساء افتراءً على الشريعة ، وتحتل منابع النفط والسدود طمعاً وجشعاً ، وتفجر المراقد والمواقع الأثرية جهلاً ، وتقتل الصحفيين الأمريكان المساكين الذين يأخذون حكم الرُّسل ، وتحاول تطبيق الشريعة في غير وقتها ، والقاصمة أنها تريد إعادة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة بكل ما سبق !!

لقد حاول الأعداء في بداية الأمر إضعاف الدولة بجرها لحرب ضد أقوى الجماعات المجاهدة في سوريا ، ونجحوا في الوقيعة بينهم عن طريق المندسين في الجانبين الذين كانوا يتحرشون من الجانبين ، فبعض الجماعات المقاتلة في سوريا هي بالفعل جماعات “معتدلة” تدربت في الأردن ومصر على أيدي المخابرات الأمريكية واليهودية والجزائرية والمصرية والبريطانية والفرنسية ، وهذه الجماعات تنفّذ مخططات هذه الأجهزة بدرجة عالية من الدقة والحرفية ، ولكنها ليست بالجماعات القوية ، ولذلك اكتفت بالتحالف مع بعض الجماعات القوية للتحريش بينها وبين الدولة ، ولهذا دعونا مراراً وتكراراً الإخوة في الدولة الإسلامية وفي الجماعات الأخرى (المخلصة المعروفة) للاتفاق والعمل المشترك لوحدة المنهج والأهداف ، وحذرناهم من المندسين وبعض الجماعات المشبوهة التي بدأت تنكشف سوءتها في الآونة الأخيرة ، وليس أعجب من عدم حرص المخلصين على وحدة الصف وهم يرون هذه المخططات رأي العين !!

عمد القوم إلى تشويه صورة الدولة الإسلامية بطرق كثيرة وخبيثة ، ولم يتركوا منفذاً إعلامياً إلا نشطوا فيه : بدءاً بالقنوات الفضائية ، ومروراً بالجرائد والمجلات والشبكة العالمية وبرامج التواصل الإجتماعي ، فكل هذه القنوات سخروها لخدمة أجندتهم الخبيثة في استئصال شأفة المجاهدين في الشام عن طريق زرع الفتنة بين المجاهدين تمهيداً للتدخل البري من قبل بعض الجيوش مستقبلاً ..

لنأخذ مثالاً على كيفية محاربة الدولة الإسلامية إعلامياً عن طريق منفذ إعلامي واحد ، وليكن البرنامج الشهير “المغرّد” أو “تويتر” لأهميته بسبب كثرة المشاركين فيه واعتماد كثير من الناس عليه في معرفة الأخبار ، ولسهولة الاشتراك في هذا البرنامج من قبل جميع الناس ، ولما لهذا البرنامج من خصائص أخرى عديدة جعلته قبلة المهتمين بالشؤون العامة ..
هذه بعض وسائل الأعداء في استخدام برنامج “المغرّد” لمحاربة المجاهدين :

1- يقوم الأعداء بإنشاء معرّفات (اشتراكات في برنامج “المغرّد”) وهمية يوحون للناس أنها من الثغور أو لمجاهدين أو مطّلعين ، وتقوم هذه المعرفات بنشر أخبار كاذبة تصب في مصلحة الأعداء ..
2- هناك معرفات وهمية تدعي مناصرة المجاهدين ، ثم تقوم بتكفير المسلمين وتفسيقهم لتقرير أن أهل الجهاد تكفيريون خوارج غلاة متنطعون جهّال ..
3- وهناك معرفات وهمية تدعي نصرتها للدولة الإسلامية تقوم بالهجوم على الجماعات الأخرى لزرع الشقاق بين المجاهدين …
4- تنشط المعرفات الوهمية المخابراتية مع الشخصيات المشهورة ، سواء في الوسط العلمي أو الإعلامي أو غيرها ، فتسب وتشتم باستخدام ألفاظ بذيئة للإيحاء بأن هذه هي أخلاق المجاهدين ومن يناصرهم ، ويقوم هؤلاء المشهورون بنشر هذا على أنه من مناصري المجاهدين ، فيحصل تشويه للمجاهدين على نطاق واسع بهذه الكيفية ..
5- يعمد بعض “المغرّدون” المعروفون إلى نشر أخبار كاذبة عن المجاهدين لأسباب حزبية أو سياسية أو مصلحية ، يتلقفها الناس وينشرونها بدعوى أن أصحابها معروفين !!
6- لا سبيل – في الغالب – إلى معرفة حقيقة أي خبر يُنشر عن المجاهدين إلا إذا كان من ثقات محايدين اطلعوا على حقيقة الخبر ، وهذا نادر جداً ، إن لم يكن معدوماً ، أو يكون بإصدارات مرئية عن طريق المجاهدين ، وللتغلب على هذا الأمر : يُنشئ الأعداء معرفات كثيرة تتناقل نفس الأخبار ، فيحسب الناس أنها من مصادر عدة ، وهي في الحقيقة من نفس المصدر ..
7- يقوم محترفو البرامج الصوتية والمرئية بالتلاعب بالصور فيضيفون لها ويحذفون ليغيروا الحقائق ، وقد سرقت بعض الجماعات عمليات الدولة الإسلامية بإخفاء علَم الدولة أو كلمة “ولاية” أو ما يدل على الدولة ، وهناك صور مشهورة يتناقلها الناس أتت من أفلام ومسلسلات وأحداث قديمة نسبها البعض للدولة الإسلامية بعد التلاعب بها ، وقد اشتهرت صورة لمقاتل من الدولة الإسلامية أضافوا إلى ذراعه شعار “الجيش الأمريكي” وعليه الصليب ، فنشرها بعض من عُرف بعداءه للدولة على أنها حقيقة ، واتهموا الدولة بالعمالة لأمريكا معتمدين على هذه الطرق الرخيصة ..
8- بعض الشخصيات “العلمية” عندها فجور في الخصومة مع الدولة ، فينشرون كل ساقطة ولاقطة من الأخبار ضدها ، وبعضهم لا يتورع عن الكذب ، وبعضهم لا يعتمد قول الله تعالى {فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (الحجرات : 6) ، فرأيناهم يقعون في الخطأ تلو الآخر ، وينشرون كل ما تقع أعينهم عليه مما يدين الدولة ، وكان هذا سبباً في زهد الناس فيهم وعدم تصديقهم ، و”كفى بالمرء كذباً أن يُحدِّث بكل ما سمِع” (مسلم) ..
9- بعض الأخبار التي تنشر عن الدولة في برنامج “المغرّد” يضحك منها المجنون ، فقلة عقول البعض وجرأتهم على الكذب الرخيص جعلهم محل تندّر بين العامة ، فمن قائل بأن “الدولة الإسلامية” تهدد بهدم الكعبة ، ومن قائل بأن الدولة أعلنت رغبتها في إعادة صياغة القرآن ، وبعضهم قال بأن جنود الدولة يدخلون المستشفيات ويبقرون بطون الحوامل ويذبحون الأجنة بعد استخراجها ، وبعضهم يقول بأن الدولة تقطع أصابع شارب الدخان ، وأمور كثيرة لو رآها “مسيلمة الكذاب” لمات كمدا وحسرة أن صار يشترك مع هؤلاء في مسمى الكذب ..
10- لا يقتصر الأمر على الكذب ، فقد رأينا تبدل المواقف بسرعة البرق في أعداء الدولة : فنجد من يؤيدهم اليوم في أمر : يعلن عداوتهم في الغد لذات الأمر ، فأحدهم يحث المجاهدين على الوحدة وإعلان الخلافة ، ثم لما أعلنت الدولة الخلافة قال : ليس هذا وقته والخلافة غير شرعية !! ونرى من يتحداهم في أمر ، فإذا أتوه : ينكر عليهم إتيانه : كمن قال بأن الدولة عميلة لأنها لا تهاجم الرقة ودير الزور التي تحت حكم النصيرية ، فلما فتحتهما الدولة ، قال : هذا اتفاق بين الدولة والنصيرية ، فلما قطعت الدولة أعناق النصيرية وعلقتها على الجدران قال : هذا غلو في الدين وتنطع وجهل ، والدولة عميلة لليهود لأنها لم تقاتلهم في فلسطين !!
11- مسألة عمالة الدول الإسلامية للأمريكان والنصيرية وإيران والرافضة والمالكي والصهيونية نسفتها أعمال الدولة بمحاربتها لكل هذه الجهات ، ومحاربة هذه الجهات كلها مجتمعة للدولة ، وقطع الدولة رؤوس عناصر هذه الجيوش والإثخان فيهم ، ولما يئس القوم من هذه التهمة وعلموا أنها لن تنطلي على العامة ، عمدوا إلى رمي الدولة بالغلو والخارجية والتنطّع ، وأخذوا ينشرون أبحاثاً “شرعية” ترد كل عملية تقوم بها الدولة (كقطع الرؤوس ، وهدم الأصنام ، وهدم الآثار ، والحرق قصاصاً) ، وقد وفق الله بعض الإخوة للرد على هذه الإفتراءات على الشريعة !!
12- عمد “المغردون” إلى رمي الدولة بالعمالة عن طريق الإيحاء بأنها تدخل مدن أهل السنة لسحب السلاح منهم ثم الإنسحاب من هذه المدن وتسليمها للرافضة يسومون أهلها سوء العذاب كما حصل في تكريت ، والحقيقة أن تكريت لم تسقط بعد ، ولم تنسحب الدولة إلا من المناطق التي تم قصفها بالقنابل الارتجاجية والصواريخ الأمريكية المدمرة (كالسجادية والعنقودية) ، فالدولة انسحبت من هذه المناطق إلى داخل تكريت ، ولا زالت تقاتل الرافضة في تكريت وعين العرب وكل مدينة قصفها الطيران الصليبي بشكل جنوني ، وقد استبسل جنود الدولة وصمدوا لوقت طويل في هذه المدن رغم القصف الشديد ، وسقط في هذا القصف خيرة شباب الدولة ، ولو كانت عميلة لانسحبت مع أول قذيفة ، ولكنه الإصرار ..
13- الأعداء لا يتركون للدولة فسحة في أي عمل ، فكل فعل له حكمه عندهم ، ومثال هذا : إذا فتحت الدولة مدينة قالوا : الأعداء سلموها للدولة لعمالتها أو لتبرير قصفها ، فإذا بقيت الدولة قالوا بأنها لا تراعي حرمة دماء المسلمين أو أنها تريد تجريد المسلمين فيها من السلاح أو تريد تبرير القصف ليفنى المسلمون أو تريد تغيير عقائد الناس إلى التكفير والغلو ، فإذا خرجت الدولة قالوا بأنها عميلة لأنها سلّمت المدينة للأعداء يسومون المسلمين فيها سوء العذاب أو جنود الدولة جبناء لا يقدرون على القتال ، وإذا قاتل جنود الدولة وثبتوا قالوا بأن قادة الدولة (البعثيين أو النصيرية أو المخابرات الأجنبية) يغررون بهؤلاء الشباب لتفنى الساحة من المجاهدين المخلصين الذين تزج بهم الدولة في معارك طاحنة أو تجعلهم انغماسيين لتتخلص منهم أو قالوا بأن الأعداء غير جادين في إخراج الدولة من المدينة لأسباب استراتيجية أو عسكرية أو لأنها عميلة ..
14- قلة الحياء هو الغالب في “تغريدات” مخالفي الدولة ، فدخول الدولة اليرموك تلته تغريدات “خوف” من “إبادة جماعية” لأهل المخيم على يد الدولة ، وأتوا بشهادات مزورة “لنازحين” من المخيّم ليبرروا للناس “خوفهم” ، ولما لم تحصل مذابح : سكتوا ، ثم من كان يرمي الدولة بالعمالة صار يقاتلها تحت راية الجيش النصيري .. هذا الهوس الجنوني بأخبار المخيم فجأة كان غائباً قبل دخول الدولة والناس تموت جوعاً فيه !! لعل الدولة تفكر في اقتحام “المسجد الأقصى” حتى يتذكّر المسلمون شيئاً اسمه القدس وقبة الصخرة التي يدنسها اليهود كل يوم دون اهتمام من وسائل الإعلام التي تتباكى اليوم على مخيم اليرموك ، فالبكاء لا يحصل إلا إذا كانت الدولة ، أما النصيرية الذين يرمون المسلمين بالبراميل المتفجرة والقنابل الكيمياوية فهذه لا تستحق دمعة .. انظروا كيف انقلبوا على “جبهة النصرة” في لحظات لأنها أعلنت الحياد أو عدم رغتها في قتال الدولة في اليرموك ، فأصبحت “جبهة النصرة” الصديقة المعتدلة العاقلة : خارجية إرهابية عميلة ذات ورع بارد بهذا الموقف !!
15- وآخر تقليعات “المغردين” : رمي الدولة بـ “البعث” والخارجية في نفس الوقت !! بعثي لا يؤمن بدين ، وخارجي يكفّر مرتكب الكبيرة من المسلمين !! وإن أردت أن تعجب فاعجب من دراسة تقول بأن الدولة الإسلامية : خوارج ومرجئة في نفس الوقت !! الخوارج يكفّرون علي وعثمان ومعاوية وعمرو بن العاص ، وبعض المرجئة لا يكفّرون فرعون وهامان وبعضهم لا يكفر إبليس !! وكاتب قرر في ذات المقالة بأن “البغدادي” قرشيّ إسرائيلي النسب !!
16- بلغ استخفاف المغردين بعقول الناس ما ألجأ البعض إلى القنوات الإعلامية الغربية لاستقاء المعلومات الصحيحة ، ولكن الذي يغيب عن البعض أن أكثر من (95%) من الإعلام الأمريكي بيد يهود ، وأكثر من (90%) من الإعلام الأوروبي يسيطر عليه اليهود ، والبعض يصدّق الإعلام الغربي كما يصدّق الوحي المنزّل ، وربما أكثر ، وهذه غفلة كبيرة وخطأ فادح ألجأهم إليه كثرة الكذب في المنتسبين للإسلام ، حتى أن البعض يفضّل أخذ الخبر من الجرائد الصهيونية مباشرة ، ولا يأخذها من “مغرّد” مسلم ربما يكون عالماً أو طالب علم !!
17- كنا ولا زلنا نقول للمغردين : هاتوا لنا نصاً واحداً من حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج ينطبق على الدولة ، أو هاتوا لنا تعريفاً لعالم معتبر من علماء السلف عن الخوارج ينطبق على الدولة ، فلما لم يجدوا : لجأ البعض إلى التعميم ، وآخرين إلى التزييف ، والبعض أتى بتعريف جديد للخوارج من عنده فصّله كالثوب ليلبسه الدولة ، وهذا من التحريف والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بينا في غير هذا الموضع ، فالكذب قد يكون في نص الحديث أو في مدلوله المخالف لفهم سلف الأمة .. من لم يخرج على الإمام الحق ، ولم يكفّر عثمان وعلي والحكمين ومن رضي بالتحكيم ، ولم يقتل أهل الإيمان ويدع أهل الأوثان ، ولم يكفّر بالمعاصي الغير مكفّرة التي لا ترقى إلى نواقض الإسلام ، ويؤمن بالشفاعة ، ولا يعارض القرآن بالسنة ، ويأخذ بما زادت السنة على القرآن ، ويؤمن بعصمة النبي في قوله وفعله ، ولا يؤمن بوجوب الخروج على الإمام الجائر مطلقاً (لا الكافر الذي يجب الخروج عليه) ، ولم يقل بخلق القرآن ، ويؤمن بأن الإمامة العظمى في قريش دون غيرها ، ويؤمن بعذاب القبر ، ويتعمد الكذب (لأن ظاهر الأحاديث تدل على أن الخوارج أهل صدق) … من كان هذا شأنه فهو ليس بخارجي إتفاقاً ، ولا تنطبق عليه الأحاديث ، والقول بأنه من “كلاب أهل النار” – على ضعف هذا الحديث عند البعض – أو وصْفه “بالخارجية” أو “المروق” أو “الحرورية” أو غيرها من ألقاب الخوارج : يعد من الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ، والسلامة في ترك كل هذا ، واعتقاد أن الاقتتال بين المسلمين يحصل لقوله تعالى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الحجرات : 9) ، فقال {فأصلحوا} ولم يقل “فكفّروا” أو “فارموا بالخارجية أو المورق” ، فاقتتال المسلمين فتنة ، والخير في وأدها بالإصلاح أولاً ثم الأخذ على يد الباغية – إن قدرنا – بعد استفراغ الوسع في الإصلاح ، دون إخراجها من دائرة الإيمان ، ودون تكلّف إنزال الأحاديث عليها ، فمن عدل عن هذا : لم يكن من المقسطين العادلين ، بل هو من الظالمين الجائرين ..

لماذا لا نصدّق أعداء الدولة الإسلامية ؟ جواب هذا في قصة قرأناها صغاراً مفادها أن ولداً كان يرعى الغنم لأهل قريته ، فنادى فيهم يوماً : الذئب الذئب ، فهرع أهل القرية إليه ليكتشفوا أنه سخر منهم وضحك عليهم ، ثم نادى في اليوم الثاني : الذئب الذئب ، فهرعوا إليه وأخذ يضحك لوقوعهم في فخه ثانية ، وأخذ يصرخ في اليوم الثالث : الذئب الذئب ، فلم يأبه به أهل القرية ولم يشكّوا أنها كالمرات السابقة ، ولكن الطفل عاد إلى القرية وملابسه ملطخة بالدماء ، وقد أكل الذئب الغنم ..

هذا هو حال هؤلاء الذين يكذبون على الناس المرة تلو الأخرى ، فيكتشف الناس بعد فترة أنهم يستخفون بعقولهم ، فلا يأبهون بأقوالهم وإن صدَقوا بعض الأحيان ، وصدق الله إذ قال سبحانه {فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (الحجرات : 6) ، ندموا لأنهم أصبحوا كذابين في نظر الناس ، “وما زال الرجل يكذب ويتحرّى الكذب حتى يُكتب عند الله كذّابا” (مسلم) ، والمصيبة في بعض المخلصين الذين ينقلون الخبر ليكتشفوا أنه كذب ، ثم ينقلون الأخبار من نفس المصدر وكأنهم يأملون أن يصدق خبراً واحداً يدين الدولة لتهدأ ثورتهم عليها {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (النحل : 105) !!

هنا أمر هام ينبغي التنبه له : إن إيراد هذه التفاصيل قد تُغرق المرء فيها لينسى أصل المسألة ، وهو : أن الحرب على الدولة الإسلامية إنما هي حرب على الإسلام بالدرجة الأولى ، وحرب على جميع المجاهدين خاصة ، فمن أشغلته الجزئيات عن الصورة الكلية فقد ضاع في المتاهات التي رسمها أعداء الأمة ، فالصورة الحقيقية ذكرناها في بداية الكلام من أن أعداء الأمة يريدون من شيطنة الدولة : ضرب المجاهدين بعضهم ببعض حتى يقضوا عليهم جميعاً ، ويكذب من يقول بأن الأعداء يريدون القضاء على بشار والنصيرية ، فهؤلاء لن يجدوا من يخلص في حراسة حدود يهود أفضل منهم ، والحقيقة أن النصارى واليهود ومتصهينة العرب ما زالوا يدعمون بشار منذ بداية الحرب ، وسوف يدعمونه حتى يجدوا مثل النصيرية يحفظون حدود يهود الشرقية كما يحفظها “حزب اللات” الرافضي من الشمال ، والماسونية الأردنية من الجنوب ، والعميلة المصرية “المتصهينة” من الغرب ، وهيهات أن يجدوا أمثال هؤلاء ..

ليس هذا الكلام صك غفران للدولة الإسلامية ، ولا شهادة عصمة ، فالدولة الإسلامية لها أخطاء كثيرة في العراق والشام ، وبعض ما يقوله المنتقدون صحيح ، وقد نصحنا الإخوة في الدولة ليتجنبوا هذه الأخطاء .. السؤال هنا : كيف نتعامل مع أخطاء الدولة ؟

الرسول صلى الله عليه وسلم “تبراً” مما عمل خالد ببني جذيمة ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعزل خالداً عن إمرة الجيوش ، بل أغدق عليه لقب “سيف الله” ، وقال الفاروق عمر رضي الله عنه “إن في سيف خالد لرهقا” ونصح الصدّيق بعزله ، فقال أبو بكر رضي الله عنه “لن أشيم سيفاً سلطه الله على الأعداء” وذلك بعد أن قتل خالدٌ رضي الله عنه “مالك بن نويرة” وتزوج امرأته ، فالخطأ وارد ، ولكن التعامل مع هذا الخطأ في مثل هذا الوقت يحتاج إلى حكمة أبي بكر الصديق ..

نحن في وضع نحتاج فيه إلى شدة الدولة الإسلامية وحنكتها الحربية ونكايتها في العدو ، وأي دعوة لقتال الدولة الإسلامية اليوم هي دعوة لإضعاف الجانب الإسلامي لصالح أعداء الأمة ، ولذلك نقول بأنه : ليس هذا وقت خلاف ، ولا وقت نزاع ، بل هو وقت تراص الصفوف والعمل المشترك والإغضاء عن بعض الأخطاء – مع النصح – للمصلحة العامة ، ودعوة البعض الجماعات المقاتلة في سوريا إلى الوحدة بعيداً عن الدولة الإسلامية أو جبهة النصرة هي دعوة خاطئة وغير واقعية ولا تخدم الإسلام ، فالجيش الحر ظهر فيه عملاء ، وبعض الجماعات تعمل مع النظام أو مع النصارى والدول العربية المعادية للإسلام ، وبعضها وطني لا يحمل شعار الإسلام ، وأكثر الجماعات الإسلامية صغيرة وضعيفة ، وكثير منها ليس لديه مشروع مستقبلي ، بخلاف الدولة وجبهة النصرة اللتان تشتركان في المشروع الإسلامي ، مع اختلافات بسيطة في الوسائل وبعض الإجتهادات .. هناك بعض الجماعات الإسلامية القوية نسبياً لكنها لا تستطيع الاستقلال بالساحة ولا تحقيق الكثير دون الدولة الإسلامية وجبهة النصرة ، بل حتى الدولة الإسلامية لا تستطيع الاستقلال بالساحة دون بقية الجماعات القوية نسبياً ..

أي نظرة مستقبلية ينبغي أن تأخذ الواقع بعين الإعتبار ، والواقع اليوم هو ظهور “الدولة الإسلامية” وسيطرتها وقوتها العسكرية واستقلالها الاقتصادي واستقطابها الإسلامي الجهادي ، ولعل عودة جبهة النصرة إلى كنف الدولة الإسلامية هي الخطوة الحكيمة في هذا الوقت ، وعودة الدولة إلى احترام قادة الجهاد الكبار ومعرفة قدرهم والاستئناس برأيهم ومشورتهم هو الصحيح ، ومخاطبة بقية الجماعات المقاتلة في سوريا عن طريق جبهة النصرة وقادة “قاعدة الجهاد” لتكوين تحالف إسلامي في مواجهة المكر القادم ، أو اندماج الكل في كتلة واحدة بقيادة واحدة ومجلس شورى موسّع يكون نواة لقوة إسلامية حقيقية ، وقد فعل المجاهدون مثل هذا في العراق ، ويستطيعون فعله في سوريا إن خلصت النيات وقُدّمت مصلحة الأمة وعُرف مكر وكيد العدو المتربّص بالجميع ..

إن لم يبادر المجاهدون إلى هذه الخطوات على عجل فإن الوقت سيداهمهم ، وسيرون أنفسهم في مواجهة مفتوحة مع جيوش جراراة مدججة بالأسلحة ، وسيُطعنون من الخلف بسكاكين الخونة والمتربصين والمغرر بهم بسبب هذه الخلافات ، ولن يستطيعوا مواجهة الجميع وهم متفرقون ، وليس في مصلحة أي جماعة أن تبقى منفردة أو محايدة لأن الحرب ستطال الجميع ، والتفرّق والتنازع والتقطّع له مآل واحد يعرفه الجميع ، فهذه الحرب : حرب أمة لا حرب جماعة ، ومن لم يُدرك هذه الحقيقة اليوم فسيتجرّع علقماً ثمن غفلته غدا ..

ربٌّ واحد .. دين واحد .. نبيّ واحد .. كتاب واحد .. أمة واحدة .. مصير واحد .. هدف واحد .. عدو مشترك .. كل هذه المعطيات لا تقود العاقل إلا إلى شيء واحد ..

والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..

كتبه
حسين بن محمود
2 رجب 1436هـ

______________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]