بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وكفى ، والصلاة السلام على عباده الذين اصطفى .. أما بعد ..مما تناقلته وسائل الإعلام المحلية والعالمية قبل أيام : خبر استهداف التحالف الصليبي لجنود الدولة في حلب تزامناً مع قتال جبهة النصرة والأحرار لها على الأرض ، وعنونت الصحف ساخرة بالتالي : “التحالف الدولي يساعد القاعدة في حربها ضد الدولة الإسلامية” !!نسأل قادة قاعدة الجهاد وجنودها : ألمثل هذا اليوم أيد المسلمون قاعدة الجهاد طوال السنوات الماضية !! ألمثل هذا اليوم قُتل الشيخ أسامة رحمه الله تعالى !! أبمثل هذا اليوم يفرح المؤمنون !! لعل الدعوات التي انطلقت تطالب جبهة النصرة بالإنفصال عن قاعدة الجهاد لها وجه ، وإن كنا لا نؤيدها ، فالبطن خير من ظهر أرض تقاتل فيه “قاعدةُ الجهاد” المسلمينَ تحت ظل طائرات الصليب !! هل تقاطعت مصالح قاعدة الجهاد والصليبيين إلى هذه الدرجة !! أي دين يبيح لنا قتال المسلمين تحت طائرات الصليبيين والكفار وبالتعاون مع الأكراد المرتدين ومرتدي الجيش الحرّ !! في شرع مَن يُقتل مَن لا يقاتل المسلمين ، ويُمتحنُ من لا يريد سفك الدم الحرام !! في شرع من يكون قتال المسلمين أولى من قتال النصيرية ومرتدي الأكراد والرافضة ..إن هذا الإعلان له ما بعده ، ونخشى أن يكون بداية مكر وانحراف بالجهاد إلى ما لا يُحمد عقباه ، فما رأيناه في أفغانستان والصومال يحتّم علينا وضع أسس وثوابت متفق عليها الآن قد تصير في المستقبل القريب من المتغيرات ..
لنقطع الطريق على أعداء الإسلام ونعلن المتفق عليه حتى لا يقول متقوّل في الأيام القادمة ، وحتى لا يخرج لنا من أصحاب اللحى (كربّاني وسيّاف وشيخ شريف) من يقاتل تحت راية الصليب باسم صدّ البغي والعدوان ومحاربة الإرهاب والعمالة .. لنتّفق على أمر نعرِف به الكافر والمرتدّ في معادلة سوريا على ضوء قول الله تعالى {ومن يتولّهم منكم فإنه منكم} ، وعلى حقيقة الحرب في الشام ، والتي هي بين الكفر والإسلام :
1- من يتعاون مع الأمريكان أو مرتدي الأكراد أو أيّ من الكفار – بأي نوع من أنواع التعاون – ضد جماعة مسلمة فهو كافر ..
2- من يتعاون مع النصيرية ضد جماعة مسلمة فهو كافر ..
3- من يتعاون مع أجهزة استخبارات يهودية أو نصرانية أو كافرة (معلوم كفرها) ضد جماعة مسلمة فهو كافر ..
أعتقد بأن هذا من المتفق عليه بين الفصائل المقاتلة المنتمية للإسلام في وقتنا هذا ، ولنتفق جميعاً على تكفير وقتال من ثبت عليه مثل هذا : الآن وفي المستقبل ، تحقيقاً لقول ربنا جل وعلا {لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ} (آل عمران : 28) ، فإن لم يكونوا {من الله في شيء} فليسوا منا في شيء ..
لنتّفق ، لأن المكر لن يتوقف عند هذا الحد ، بل سيطول بعض الجماعات التي تتساهل في قتال المسلمين مع جماعات لا خلاق لها ولا دين ( كما حدث في أفغانستان) ، فالتساهل يجر أخاه ، والشيطان يخطوا بالإنسان خطوات ولا يقفز ، وإن لم يتدارك العقلاء الأمر ويتّعضوا بالجبهات السابقة فإن المآل معلوم لذوي البصيرة ، والكل خاسر : خسران دنيا أو خسران آخرة أو الاثنين معاً ، وستخسر أمة الإسلام جيلاً من المجاهدين وأنهاراً من الدماء وجبالاً من الأشلاء بسبب هذه التخبطات وهذه النزوات ، وبسبب معصية الله تعالى في عدم التكاتف والتراصّ ووحدة الصف ، وبسبب الخلاف والتنازع والشقاق ، ولو حضر الإخلاص وغاب حظ النفس : صلح الحال ، فالله المستعان ..
إن اجتماع الدول الكافرة على حرب “الدولة الإسلامية” تكملة لمشوار طويل في حربها على الإسلام : فالدولة الإسلامية ليست المقصودة بعينها ، وإنما المقصود الإسلام كله ، ونظرة واحدة على الواقع تنبئنا بخطورة غياب الدولة الإسلامية – لا قدّر الله – عن الساحة : فالدولة الإسلامية شتتت قوة الأعداء ، وتركيزهم عليها جعلهم يغضون الطرف عن غيرها أو يؤخرون أمرهم ، ولو لم توجد الدولة الإسلامية اليوم لكان التركيز في الشام على الأحرار وجبهة النصرة وأخواتهما من قِبل الفرس والرافضة والصليبيين والنصيرية ومرتدي العرب ، فالدولة الإسلامية أرغمت جميع هؤلاء بصرف جهدهم في قتالها ، ورغم ذلك تستميت بعض الجماعات في الشام لكسر هذا الدرع وهذا الحصن ليتفرّغ لهم العدو ، وهذا من أعجب الأمور !!
انظر إلى مرتدي الأكراد كيف استطاعوا تكوين دولتهم (الصهيونية) وكشّروا عن أنيابهم بعد انحياز الدولة عن بعض الأماكن ، وانظر كيف بقي النصيرية أقوياء في الغرب بسبب الاقتتال الداخلي الذي كانت الدسائس من أعظم أسبابه ، وانظر إلى استماتة البعض في صرف نظر الجماعات المقاتلة عن القرى النصيرية وعن الدروز بجرها لقتال الدولة الإسلامية في حلب بعد أن اعتدت هذه الجماعات على الدولة وأعلنت ذلك للكفار وتبجّحت به في صحفهم لتكسب ودهم وتأييدهم ثم أعلنت ذات الجماعات أن الدولة غدرت بها لتسنتفر الجماعات المقاتلة التي باتت قريبة من القرى النصيرية فتشتت قواها وشملها ، والبعض قال بأنه اتفاق مع قادة هذه الجماعات ليبرووا لجنودهم عدم التوغل في القرى النصيرية ، وهذا مستبعد إن شاء الله !!
لنتخيّل بأن الدولة الإسلامية لم تُشغل أعداء الأمة – من الرافضة والنصيرية والصليبيين ومرتدي العرب – بحربها ، كيف تكون الأمور : أليست إيران تكون لها حدود برية مباشرة مع الشام !! أليس تتفرغ إيران للحوثيين والعراق ولبنان والنصيرية بالدعم بدل الإنفاق والاستنزاف في حربها ضد الدولة في العراق والشام وحمايتها “لمقدساتها” في النجف وكربلاء !! ألن تقصف الطائرات الصليبية النصرة والأحرار وغيرهما في الشام إن كانوا حقاً يمثلون مشروعاً إسلامياً معتدلاً “لا راندياً” ، وهل تقبل أمريكا بغير الرانديّة اعتدالاً !! ألا يلتهم مرتدوا الأكراد شمال العراق وسوريا لصالح المشروع الصهيوني الصليبي العلماني القومي الإشتراكي !! ألا يبقى آلاف مؤلفة من نساء ورجال المسلمين في السجون إلى الآن !! ألا يتفرّغ حكام العرب لضرب الإسلام في كل مكان بدل انشغالهم بالخطر المحدق بهم من الدولة ، ومحاولة التقرّب إلى شعوبهم خوفاً من استقطاب الدولة لها !! هل يكون عند أي جماعة مسلمة اليوم حيّز للمناورة السياسية إن لم تكن الدولة موجودة ونحن نرى الهجمة الشرسة على المسلمين في كل الأرض !! ألم تتوقف بعض الحكومات عن استئصال بعض الجماعات الإسلامية خشية انضمام شبابها للدولة الإسلامية !! هل سيقابل أي مسؤول عربي – أو أي قناة إخبارية – أي قائد فصيل مقاتل إن لم تكن الدولة موجودة !!
البعض من شدة غباءه وجهله يقول بأنه : لولا الدولة الإسلامية لتحررت سوريا منذ زمن !! فنقول لهذا المسكين وأمثاله : انظر إلى اليمن ومصر وتونس وليبيا ، ماذا تحرر في هذه البلاد ؟ المشكلة يا مسكين ليست في الدولة ، المشكلة في عقلك وفكرك ومنطقك المعوجّ : ليبيا تحررت بالقوة ، والجماعات تسلحت بشتى الأسلحة ، ومع ذلك أتوا بحفتر لقتالهم وأمدوه بأحدث الأسلحة .. مصر انتخبوا فيها رئيساً لأول مرة في تاريخها فحكموا عليه بالإعدام بعد سنة .. أطلقوا يد الرافضة وعلي صالح على اليمنيين فجاسوا خلال الديار بعد كذبة المبادرة الخليجية .. تونس قلبوا فيها الحكومة بصناديق الاقتراع ورجعت تحت الوصاية الفرنسية ، فكيف يكون حال سوريا بعد مؤامرات جنيف !!
ألا يعلم هؤلاء المساكين بأن الدعم الذي يأتي بشار عليه دمغة النفط الخليجي في نفس الوقت الذي يبدون فيه استعدادهم الوقوف بجانب الثورة السورية “المعتدلة” !! أليست الأسلحة التي يقتل بها بشار المسلمين صناعة مصرية !! من الذي يموّل الإنقلاب في مصر !! ألا تجتمع في غرف عمليات عمان : المخابرات الأمريكية والصهيونية والنصيرية والخليجية والأردنية والجزائرية والتونسية والروسية والأوروبية !! أليس قمّة الغباء البشري أن يعتقد البعض بأن العالم الكافر والمرتدّ يريد التخلّص من بشار لتُحكم سوريا وفق هوى المسلمين في مجازفة كبيرة لخلخة الوضع على حدود دولة الصهاينة في فلسطين المحتلّة !!
بعض قادة الجماعات غرّته الأماني والوعود الكاذبة من بعض الدولة وأجهزة استخباراتها فظن أنه وجماعته سيحكمون سوريا بعد هزيمة الدولة الإسلامية – لا قدّر الله – ، ولو أن هذا وأمثاله رجعوا بذاكرتهم قليلاً إلى أفغانستان واسترجعوا ذكريات تسليط الضوء الإعلامي الكبير على “سياف” و”ربّاني” في بداية الحرب على طالبان ، ثم لما انحاز الطالبان جاؤوا بكرزاي ليجلسوه على عمائم “قادة الجهاد السابقين” الذين دخلوا تحت الحلف الصليبي وصدّقوا الوعود الكاذبة .. أين رباني الآن ؟ ماذا نفعته غدرته ؟ أين سياف الآن ، هل له من ذكر أو شرف بعد ردّته ؟ حتى “شيخ شريف” قائد المحاكم الإسلامية : جاؤوا بالصليبيين الأثيوبيين والكينيين ليركع في حضرة صليبهم ويسجد ويصبح خادم الصليب في “مقديشو” ، بعد أن كان سيد المجاهدين في الصومال ..
الدولة الإسلامية أقامت حكماً شرعياً في الأرض يأمن فيه المسلمون على أنفسهم وأهليهم ، وحررت الكثير من الأسرى ، وفتحت الكثير من البقاع ، ودحرت الرافضة ، وأرهبت النصيرية ، ولو لم تكن الدولة الإسلامية : لم تكن هناك ثورة في سوريا الآن ، بل يكون الحل “السلمي” “الجنيفي” الضامن لتسلّط النصيرية على المسلمين كما في تونس واليمن ومصر وليبيا وأفغانستان وسائر بلاد المسلمين التي قام فيها الجهاد ضد الصليبيين في القرن الماضي فأقواموا حكومات مرتدّة موالية لهم على أشلاء ودماء المجاهدين .. بسبب الدولة الإسلامية بقي الجهاد في سوريا وانهارت مؤامرات جنيف فأفسدت الدولة جميع مخططات أعداء الأمة في الشام بعد الثورة ، ومحاربة الدولة بهذا الشكل الجنوني يهدف إلى التخلّص منها لإيقاف الجهاد والعودة إلى الوضع السابق ، مع تغيير بعض الوجوه ، وإصدار بعض الوعود ، وإعادة إذلال الشعب السوري من جديد على يد “سيسيّ” و”حفتر” و”كرزاي” و”علي هادي” آخر..
ليست هناك جماعة مسلمة مقاتلة على وجه الأرض تستطيع تلقي كل هذه الضربات وتبقى وتتمدد غير الدولة الإسلامية التي أعجزت المحللين العسكريين بعملياتها الكبيرة الخاطفة ، وبصبرها وتمكنها من امتصاص الضربات الجوية بأحدث الأسلحة التي عرفتها البشرية ، والناظر في صحف ومواقع الغرب يُدرك حجم الترقّب والحذر من سكنات الدولة الإسلامية بعض الفترات ، وانحياز الدولة من “تل أبيض” أصابهم بجنون ، فالكل الآن يتحدث عن عملية كبيرة مرتقبة للدولة في رمضان بعد انحيازها المفاجئ ، ونظرة سريعة في صحف ومواقع الغرب تبدي هذا التخوف الكبير المرتَقب ، والهلع من المجهول ..
البعض يبالغ في قضية وجود قادة عسكريين من الجيش العراقي السابق في قيادة العمليات العسكرية ، ويعزون نجاح الدولة في التمدد والبقاء إلى هؤلاء ، ونسي البعض بأن هذه القيادات العراقية لم تستطع الصمود أمام الجيش الأمريكي رغم تحكمها في ترسانة العراق العسكرية كلها وعلى كل الأرض .. الحقيقة التي يتجاهلها البعض أن في الدولة الإسلامية خبرات متراكمة كبيرة من مجاهدي العراق والأردن وسوريا والأكراد والفرس وفلسطين ولبنان وأفغانستان وباكستان وكشمير والفلبين والشيشان وليبيا والجزائر وتونس ومالي ومصر وجزيرة العرب واليمن والصين والبوسنة والهرسك وغيرها من البلاد التي هاجر كثير من مجاهديها وقادتهم إلى الدولة الإسلامية ، فهذه الخبرات الكبيرة لا تتأتى لأي دولة على وجه الأرض الآن ، وهي خبرات متنوعة متراكمة أحسن قادة الدولة استغلالها ..
لا ننكر حرفية القيادة العراقية ، إلا أن الأمر تعدى هذه القيادة لتصبح الحرب أممية بين عصارة عقود من الجهاد وعقول المجاهدين من شتى بقاع الأرض ، وبين أحزاب الكفر ومواليهم ، فالدولة الإسلامية صهرت جميع القوميات والعرقيات في مفهوم الولاء الإسلامي ، واستقطبت خبرات كبيرة في شتى المجالات من العراق والشام وجزيرة العرب والشرق والغرب والشمال والجنوب ، وهؤلاء يعملون بإخلاص من أجل دينهم ، لا من أجل راتب أو معيشة ، ولذلك ظهر ابداعهم وتفوقهم بسرعة كبيرة في شتى الأصعدة ، هذا فضلاً عن القوة الإعلامية العالمية المتطوّعة التي تعمل من شتى بقاع الأرض نصرة “للخلافة الإسلامية” التي يؤمنون بها : بكل ما تحمل كلمة الإيمان من معنى ..
إن أقوى جماعة مجاهدة عُرفت في العصر الحديث هي “طالبان” التي أسست “الإمارة الإسلامية” في أفغانستان ، وهذه الجماعة المجاهدة لم تستطع الصمود أمام قصف الطائرات الأمريكية لفترة طويلة فاضطرت للانحياز إلى الجبال لتعيد الكرّة على القوات الصليبية والمرتدّة ، نسأل الله أن ينصرها ويعزها بطاعته .. أما قاعدة الجهاد فلم تستطع الحفاظ على بقعة أرض تحكمها ، وليس هذا من سياستها ، وإن حاولت في اليمن والصومال والمغرب ، إلا أنها محاولات متواضعة ، ولم تكن “قاعدة الجهاد” في يوم من الأيام في قوة الدولة الإسلامية الآن رغم انتشار قواتها في الآونة الأخيرة في أكثر من دولة ..
الدولة الإسلامية هي أقوى جماعة إسلامية مجاهدة في وقتنا هذا ، وهي دولة بكل معنى الكلمة ، وخطرها يكمن في : كفرها بالحدود والمنظمات الدولية وقراراتها ، وإحيائها لسنن شرعية أُميتت لعقود (كالسّبي ، والجزية ، وعقد الذمة ، وهدم المظاهر الشركية والبدعية وغيرها) ، وصمودها الأسطوري في وجه الآلة العسكرية الأمريكية الأوروبية الروسية الصهيونية العربية وجنود النصيريّة والرافضة ومرتدي العرب والأكراد ، بل وحتى بعض الجماعات المقاتلة في الداخل السوري والعراقي ، وإعلانها الخلافة الإسلامية التي جذبت الملايين من شتى بقاع الأرض ، وقدرتها على استقطاب القبائل العربية والكردية وغيرها في الشام والعراق والذين هم بالملايين ، وما التردد في إشراك الدول العربية جنودها في الحرب ضدها إلا خشية انضمام هؤلاء الجنود للدولة ، وقد أصدرت كثير من الدول العربية أحكاماً صارمة – تصل إلى الإعدام – في حق من يتعاطف مع الدولة الإسلامية أو ينشر أفكارها في الشبكة العالمية والبرامج الإجتماعية ، وهذا الخوف الذي نراه اليوم من الدولة الإسلامية كان آخر العهد به في فترة قوة الدولة العثمانية ..
الرعب الذي أحدثته الدولة الإسلامية في العالم أجمع جعل بعض الدول تعيد تصنيف الجماعات ، بل تعيد تعريف الإرهاب .. ومن الطرائف أن تصبح “قاعدة الجهاد” جماعة معتدلة عند بعض الأعداء – بسبب مقارنتها بالدولة الإسلامية – ما حمل بعض خبراء “الإرهاب” الغربيون مناقشة إمكانية التفاهم مع “قاعدة الجهاد” في مواجهة الدولة الإسلامية !! الخوف ذاته الذي جعل الأمريكان والأوروبيون يجلسون مع الروس في العراق رغم المشكلة الأوكرانية ، ويجلسون مع الصينيين رغم المنافسة المحتدمة ، فالكل مجمع على التخلص من هذا الكابوس المرعب ..
الذي يميّز الدولة الإسلامية ويجعلها أكثر قبولاً من غيرها هو شدتها وبأسها وعنفها الذي هو مطلب الوقت ، فهذه الهجمة الشرسة على الإسلام في الشام والعراق ومصر وليبيا وتونس واليمن وإيران وغيرها من البلاد جعل المسلمون يتوقون إلى ردّة فعل تعادلها في القوة ، وكثير من المسلمين يختلفون مع بعض اجتهادات الدولة الإسلامية ولكنهم يوافقونها شدتها على أعداء الله ولا يرضون بغير الدولة بديلاً يشفي صدورهم من الأعداء .. لقد ملّت الجموع الإعتدال والسلمية والحوار ، وتريد الانتقام والتشفّي والقصاص ، ولا يشفي صدرها إلا الحرق وقطع الرقاب والنفس بالنفس والعين بالعين ، خاصة بعد أحداث مصر التي حاول فيها “الإخوان” إرساء نظام “ديمقراطي” على حساب “الإسلامي” ، وبعد إصدار العفو عن المرتدين والعملاء على حساب القصاص ، فكان أن انقلب هؤلاء على الإخوان وقتلوهم وأحرقوهم أحياء ليُدرك الناس حجم التضليل الكبير الذي وقعوا فيه بسبب السلمية والديمقراطية والدولة المدنية والتعددية والوطنية ..
الدولة الإسلامية أعلنت تطبيق الإسلام كاملاً دون نقص أو تدرّج ، وأعلنت والخلافة ، ونصّبت خليفة قرشيّ هاشمي لا أعلم على وجه الأرض قرشي يصلح لها غيره ، وأحيت الأحكام الشرعية ، وقطعت رؤوس الكفار والمرتدين ، وسبَت نسائهم ، وغنمت أموالهم ، وعقدت الذمة لأهلها فأعادت المفاهيم الشرعية المنسيّة ، وهدمت الكنائس المُحدثة ، وفجّرت المزارات الشركية ، وكفرت بالقومية والوطنية والدولة المدنية والديمقراطية والتعددية الحزبية ، وأعلنت سيادة الشريعة السماوية في الأرض ، وكفرت بالحدود الجغرافية ، وأعلنت نية الجهاد وغزو البلاد حتى تُفتح روما ويقاتل آخرهم الدجال كما في النصوص الشرعية ، وأقامت الحدود حتى على جندوها وأمرائها ، وخرجت على جميع القوانين والأعراف والمنظمات الدولية التي أسّسها اليهود والنصارى لاستعباد البشرية ، فهذه هي خارجيتها الحقيقة ، وهذا هو سبب تحزّب الناس عليها ، وفي نفس الوقت : سبب جاذبيتها ..
أعداء الأمة اليوم في ورطة كبيرة مع الدولة الإسلامية : فإما أن يلقوا القنابل الفتّاكة على مدن وبلدات الدولة الإسلامية فيقتلوا الناس ليزيدوا حنق المسلمين عليهم فتزيد شعبية الدولة في مناطق نفوذها ، أو يحاولوا محاربة الدولة على الأرض بجيوش الأكراد والرافضة الذين تُحدث فيهم الدولة المقتلة تلو الأخرى مع قصف يستنزف الموارد والميزانيات الخليجية ، أو يقرر الغرب والعرب إرسال جنودهم إلى العراق والشام (وهذا ما تتمناه الدولة) ، أو محاربة الدولة بالجماعات المسلّحة مع دعمها جواً ، وهذا ما لا يرضاه كثير من مجاهدي هذه الجماعات الذين يرون القتال تحت المظلة الغربية ردّة عن الدين ، أو يُنشؤوا جماعات مقاتلة يدربونها على حرب الدولة الإسلامية حصرياً دون قتال النصيرية مع شرط الإعتدال الراندي لهؤلاء الأفراد ، وقد أقام الصليبيون بعض الجماعات في سوريا على هذا الأساس بدعم عربي ..
الخطوات الأخيرة هي أقل كلفة على أعداء الأمة لأنها تستخدم الأفراد دون استنزاف ميزانياتها ، ودون الدعاية للدولة الإسلامية ، بل على العكس : استطاعت هذه الدول محاربة الدولة الإسلامية بالأفكار عن طريق هذه الجماعات التي حملت على عاتقها تشويه صورة الدولة الإسلامية برميها بالخارجية والبغي والظلم والفسادة والجهل والعمالة ، فأسدت هذه الجماعات خدمة جليلة لأعداء الإسلام دون مقابل ، والحقيقة أن بعض هذه الجماعات تحفر قبرها بيدها دون أن تشعر ، ذلك أن هزيمة الدولة الإسلامية في سوريا والعراق – لا قدّر الله – هو هزيمة حتمية لجميع الفصائل المجاهدة التي ستتفرغ لها القوى المعادية للإسلام بعد الدولة الإسلامية ، وهذه الخطة الخبيثة طُبّقت في أفغانستان والعراق ومصر التي اجتمعت في ميادينها الأحزاب المعارضة “لمرسي” وهتفت تدعوا لإسقاطه لتكتشف بعد أشهر – وبعد فوات الأوان – أنها هي التي سقطت ، فهل نتعلّم من تأريخنا القريب جداً !!
وصلنا في لحظات كتابة هذه الأسطر خبر مقتل الأمير “ناصر الوحيشي” رحمه الله وتقبله في الشهداء ، فنسأل الله أن ياجر أهل اليمن والمسلمين في مصيبتهم ويخلفهم خيراً منها ، ونسأله سبحانه أن يحشر الوحيشي وإخوانه في عليّين مع الصديقين والشهداء والصالحين ، وأن يجمع أهل اليمن على قلب رجل واحد ، وأن يرفع راية الجهاد في بلد الحكمة والإيمان ..
ننصح إخواننا في اليمن بعدم إضاعة دماء هؤلاء القادة باستجلاب أسباب الفشل من تنازع مع إخوانهم ، ونحثهم على الاعتصام بحبل الله وعدم الفرقة ، وأن لا يستصحبوا مشاكل وخلافات الشام ، فكل جبهة لها أوضاعها ، ويستطيع الإخوة في كل جبهة التعاون والتكاتف بل والوحدة ، كما ننصح إخواننا في ليبيا وأفغانستان وباكستان وغيرها من بلاد الإسلام أن لا يتأثروا بما يحدث في الشام من خلافات ، وأن يكونوا عوناً لإخوانهم على وحدة الصف ، وأن يكونوا قدوة لغيرهم ، فالله تعالى أمرنا بالوحدة والتكاتف والتراص ، ورحم الله من سنّ للمسلمين سنّة الصلح والوحدة في هذا الوقت لينال أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامه ، فالمسلمون اليوم بحاجة إلى عقول تتعالى على الخلافات وتنظر بعين المصلحة لمستقبل الأمة ..
والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
كتبه
حسين بن محمود
28 شعبان 1436هـ
______________
To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]