New article from Shaykh Ḥussayn bin Maḥmūd: "Defeat of The Islamic State"

بسم الله الرحمن الرحيم
ما يحدث هذه الأيام في سوريا والعراق أمر محيّر من الناحية العسكرية ، فمنذ احتلال الأكراد لعين العرب وانحياز الدولة الإسلامية منها : خسرت الدولة الإسلامية تل أبيض وتكريت والرمادي ومدناً أخرى وقرى على غير العادة من تقدمها وتمددها في السنة الماضية !! هل ضعفت الدولة الإسلامية ؟ هل أفَلَ نجمها ؟ هل هي على وشك الإنهيار كما يقول بعض المراقبون ؟ هل بدأت تنكمش بعد تمددها ؟ أسئلة تحتاج إلى نظر ..

الحقيقة التي يعرفها أهل الإختصاص : أن الدولة الإسلامية غيّرت خططها العسكرية في الآونة الأخيرة ، فالقصف المركّز على “عين العرب” والتدمير شبه الكلّي للمدينة وخسارة الدولة الإسلامية لمجموعة من جنودها في هذا القصف الهمجي ، جعل الدولة الإسلامية تعيد النظر في سياسة الحفاظ على الأرض ..

“عين العرب” كانت بداية خطّة أمريكية لإضعاف الدولة الإسلامية معنوياً ومحاولة إظهارها بمظهر المنهزم ، وذلك باقتطاع أراض تابعة للدولة الإسلامية ، وهذه الخطة انسحبت على تل أبيض وتكريت والرمادي وغيرها ، فالتحالف الصليبي يقوم الآن باحتلال المدينة تلو الأخرى عن طريق القصف المركّز القوي الكثيف الذي يدمّر المدن والقرى بشكل شبه كامل ليصبح من المستحيل البقاء في المنطقة المقصوفة أو يصبح البقاء فيها غير منطقي من الناحية العسكرية ، وبعد القصف تدخل الجماعات الرافضية أو النصيرية أو الكردية الملحدة لتحتفل بإنجازات طائرات التحالف !!

لا فائدة من البقاء في أرض منبسطة مفتوحة والعدو يقصف بصواريخ تهدّ المباني وتسويها بالأرض ، ويلقي قنابل عنقودية وكيماوية ، والفوسفور الأبيض الحارق ، ويجرّب صواريخه وقنابله الجديدة ، هذا مع عدم وجود مضادات لهذه الطائرات ، فالإنتظار على الأرض واستقبال هذه الصواريخ والقنابل بلا قدرة على مقاومتها : ضرب من العبث .. لكن حتى مع هذه المعطيات لم يستطع الحلفاء دخول عين العرب بدون خسائر فادحة في الأرواح ، ذلك أن الدولة الإسلامية تركت مجموعة قليلة من المجاهدين لينغّصوا على الأكراد والحلفاء فتحهم المزعوم ، ونفّذ جنود الدولة الإسلامية عمليات جريئة (شبه مستحيلة) أصابت المحتلين بذهول ..

من المعلوم أن الملاحدة والرافضة والنصيرية لم يتقدموا شبراً في أراضي الدولة الإسلامية دون قصف جوي عربي ونصراني روسي أو أمريكي ، فليس لهؤلاء أن يحتفلوا بأي نصر على الدولة الإسلامية ، وإنما الفضل لطائرات أمريكا وروسيا وأوروبا والعرب ، فهؤلاء هم الذين مهّدوا لكل شيء ، ولم يبق إلا أن يمشي الرافضة والنصيرية والملاحدة على أنقاض المدن والقرى ليدخلوها فاتحين !!

رأينا أكثر من (90%) من عين العرب سوّي بالأرض ، ولعل (80%) من مدينة الرمادي صار خراباً ، ومع ذلك هناك مناوشات في الرمادي وضرب قوي شديد من قبل الدولة الإسلامية التي لا ندري كيف صمد جنودها تحت هذا القصف ، بل ويأخذون زمام المبادرة في أكثر الأحيان ، وها هي الدولة الإسلامية ترجع إلى تكريت والشدادي مرة أخرى في التفاف أذهل المراقبين ..

تتلخّص الاستراتيجية التي اتبعتها الدولة الإسلامية بأسلوبها الجديد في نقاط عدة ، من أهمها :

1- عدم الحرص على التمسّك بالأرض المفتوحة في حال القصف المركّز ..

2- تشتيت تركيز الأعداء بفتح جبهات غير متوقّعة ، وعمليات جريئة في نفس الوقت ..

3- فتح جبهات متباعدة لتشتيت تركيز الطيران الصليبي العربي النصيري اليهودي ، ولكن التحالف استطاع التقليل من تأثير هذه الخطة بدخوله قاعدة انجرليك التركية ، وبصمود مطاري دير الزور وكويرس وغيرها في وجه هجمات الدولة الإسلامية ..

4- الهجوم بجماعات صغيرة ، وبأفراد قلائل معتمدة على قوة بأس رجالها في مقابل جبن وخور مقاتلي أعدائها المتّكلون على طائرات التحالف اتكالاً شبه كلّي ..

5- استطاعت الدولة الإسلامية كسب الكثير من القبائل والعشائر في الأنبار ودير الزور وغيرها ، ومما ساعد في ذلك : الظلم الواقع على المسلمين بعد انحياز الدولة الإسلامية من المناطق المحررة ، فأهالي هذه المناطق لا يلبثون أن يبايعوا الدولة الإسلامية لما يرون من إهانة الأعداء لهم ، فيدركون الفرق الشاسع بين الدولة الإسلامية وبين قوات التحالف الصليبي النصيري الرافضي العربي الكردي الملحد ..

6- استطاعت الدولة الإسلامية تفعيل جبهاتٍ خارج العراق والشام – كمصر وليبيا واليمن ونيجيريا – لإشغال العدو الصليبي عن التركيز على مركز الدولة ..

7- قامت الدولة الإسلامية بعمليات إنغماسية نوعية ضربت بها أهدافاً منتقاة بدقّة عالية خلطت أوراق أعدائها ، كما حصل في المقدادية وبغداد وسامراء وحديثة وغيرها ، فالدولة استهدفت قادة ميدانيين برتب عالية في هذه العمليات الجريئة  ..

8- تعتمد الدولة الإسلامية اليوم أسلوب الكر والفرّ لتدويخ العدو ، فتدخل خناصر لتخرج منها بعد يومين فتدخل قرى أخرى تؤدي نفس غرض خناصر ، وتدخل أبو غريب لتخرج منه بعد قليل ، وتدخل تل أبيض فتخرج إلى القرى المجاورة لتفتحها وتخرج منها ، وبهذا تضمن تشتت العدو وارتباكه وعدم معرفة وجهة وهدف الدولة الإسلامية القادم ، هذا مع إحداث مجاز في العدو في هذه المناطق وقتل قادة جيشه واغتنام أسلحته وذخائره لاستخدامها في العمليات التالية ..

9- استطاعت الدولة الإسلامية كشف زيف كثير من الجماعات المدّعية للجهاد ، فصار اتباع هذه الجماعات يبايعون الدولة الإسلامية بعد أن رأوا تذبذب قياداتهم وثبات الدولة الإسلامية على مبادئها ..

الحقيقة التي يجهلها الكثير من الناس : أن الدولة الإسلامية استطاعت في انحيازاتها هذه فتح أراضٍ كثيرة وكبيرة ، وهي أضعاف ما خسرت من أراض بسبب القصف المركّز ، وما “تدْمر” إلا واحدة من المناطق التي فتحتها الدولة الإسلامية في هذه الفترة ، والحقيقة الأخرى أن الدولة الإسلامية خسرت أجزاء من هذه المدن ولم تخسرها كلها ولا خسرت محيطها ، وهذا ما جعل أنصار الدولة الإسلامية يعززون ثقتهم بها ، بعكس ما أراد أعدائها ، فقد عوّدتهم الدولة الإسلامية أن لا تنحاز من مكان إلا وتفتح غيره ، ولا تتأخّر في مكان إلا وتتقدّم في غيره ، ولا يَقتل منها العدو جنوداً إلا وتقتل منه أضعاف أضعاف ما قَتل ، ولا يقصف عدوهاً أرضاً إلا وتفجّر الدولة بعمليات إنغماسية مرعبة في عقر دار العدو ، مما جعل الهجوم على الدولة الإسلامية أمر مكلف للغاية ، فجنود الدولة الذين خرجوا من محيط مدينة الرمادي : دخلوا أبو غريب وبغداد ليُثخنوا في الرافضة أيما إثخان ..

بالرغم من الهجمة الإعلامية العالمية الشرسة على الدولة الإسلامية إلا أن الدولة استطاعت مواجهة هذا الإعلام بإصرار أنصارها في الخارج ، وبحرفيّة إعلامييها في الداخل ، فلم يستطع أعدائها – رغم ما أنفقوا ، ورغم كل هذا الجهد الجبار – ثني الشباب من كل أقطار الأرض عن الإنضمام للدولة الإسلامية ، وقد استطاعت الدولة الإسلامية إسقاط كل تهمة أو فرية افتراها أعدائها عليها – كالخارجية والعمالة والبعثية وغيرها – بثبات رجالها وعزيمة مناصريها وثقتهم الكبيرة بدولتهم الباقية والمتمدّدة رغم اجتماع نصف الكرة الأرضية عليها !!

لعل استعجال دول التحالف الصليبي – في تحقيق النصر وتقليل الخسائر المادّيّة – ساعد الدولة الإسلامية على تحقيق الكثير من أهدافها المرحلية ، وقيادة الدولة الإسلامية أثبتت كفاءة عالية في استغلال جميع الفرص المتاحة ، بل وخلق فرص من أصغر الثغرات ، والمشكلة التي تواجهها الدولة الإسلامية الآن هي : الرغبة الجامحة للتحالف الصليبي الرافضي بدخول الموصل التي هي عاصمة الدولة الإسلامية في العراق ، والدولة الإسلامية استبقت هذا الأمر بتفعيل جبهات كثيرة في آن واحد ، خاصة جبهة بغداد (العاصمة السياسية للرافضة) ، وسامراء (العاصمة الدينية للرافضة) ، وجبهة الحسكة لإشغال ملاحدة الكرد ، هذا فضلاً عن تكريت وحديثة وديالى والرمادي والفلوجة وغيرها من الجبهات ، ولما أعلن العدو نيته دخول الرقة : دخلت الدولة الإسلامية تل أبيض !!

لا يمكن – من الناحية العسكرية – ترك سامراء وبغداد والرمادي وتكريت والاتجاه شمالاً إلى الموصل ، والتحالف الصليبي يحاول بكل ما أوتي من قوة : تهدئة هذه الجبهات للتفرغ للموصل ، والدولة الإسلامية تفاجئ التحالف كل أسبوع أو أسبوعين بعمليات نوعية في هذه الجبهات تنسف جميع مخططاته ، وقد زجّت إيران بعشرات الآلاف من جنودها لتأمين سامراء وبغداد حتى يتفرّغ رافضة العراق للاتجاه شمالاً ، إلا أن الدولة الإسلامية استطاعت اختراق دفاعات الرافضة وضربهم في بغداد بقوة ..

الوقت ليس في صالح التحالف الصليبي ، فالحرب تلتهم الإقتصاد التهاماً ، والدول العربية المانحة لن تستطيع الصمود طويلاً في هذه الحرب الاستنزافية ، وما الإفراج عن مليارات إيران إلا لتغطية بعض تكاليف هذه الحرب ضد الدولة الإسلامية ، وإيران لها خطط توسّعيّة في أماكن أخرى ، وقد أثبت رافضة العراق أنهم غير جديرين بالثقة في مواجهة الدولة الإسلامية ، فإيران ستضطر للتدخل مباشرة – اليوم أو غداً – لحسم الأمر في العراق وسوريا ، ولكن الدولة الإسلامية ليست لقمة سائغة ، وهي مخيفة من حيث تكتيكاتها ومفاجئاتها العسكرية ، فلا يستطيع أحد التنبؤ بما ستفعله في أي لحظة ، فقد كان القصف عليها شديداً في العراق وسوريا لدرجة أن البعض ظن أنها انهارت لتظهر فجأة في فرنسا وتحدث مجزرة !! حاربها القريب في سوريا فأخذت البيعات من سيناء ونيجيريا وأفغانستان واليمن والشيشان والمغرب وليبيا وأندونيسيا وغيرها من البقاع !!

لعل الدولة الإسلامية أحدث دولة على وجه الأرض اليوم ، ورغم حداثة سنّها استطاعت تكوين أحد أقوى الجيوش في الأرض ، ولن يمض وقت طويل – في ظني – قبل أن تصنع الدولة الإسلامية مضادات للطائرات في مصانعها ، فأغلب الظن أن الكوادر موجودة ، والدولة الإسلامية أبدعت في تفجير الطاقات ، ولعل ما ينقصها هو المصانع والمواد ، وهذه أمرها ليس صعباً على الدولة الإسلامية ، وإذا استطاعت الدولة الإسلامية صناعة هذه المضادات – أو حتى شراءها من السوق السوداء – فإن الموازين ستنقلب رأساً على عقب ..

من المفيد معرفة نوايا وأهداف الفاعلين في هذه الحرب حتى يستطيع المتابع التنبؤ بالمواقف :

أمريكا – مثلاً – هدفها الكسب المادي باستنزاف الأموال الخليجية المتدفقة عليها مع أموال العراق ، ومن أهدافها الرئيسة : ضمان أمن دولة يهود في فلسطين المحتلة ، وضمان أمن الحكومات المحققة لمصالحها في المنطقة ، ومحاولة كسر الدولة الإسلامية لإلغاء مفهوم الخلافة في الأرض ، فلا شيء يُخيف النصارى وأعداء الإسلام أكثر من مفهوم الخلافة والجهاد ، هذا فضلاً عن الحقد الصليبي الدفين ..

وروسيا تريد إبقاء قواعدها العسكرية في المتوسّط ، وتريد الكسب المادي الذي يأتيها عن طريق إيران وبعض الدول العربية التي تدفع ثمن طلعاتها الجوية ، وتريد تجربة وتسويق أسلحتها في المنطقة ، وتريد إثبات وجودها في المسرح العالمي ، وتريد تفريغ أمريكا وأوروبا للتصدي للدولة الإسلامية خارج العراق وسوريا ، ولا ننسى الحقد الروسي النصراني الأرثوذكسي الدفين ضد المسلمين عامة ، والأتراك خاصة ، فالأتراك يحتلون عاصمة النصارى الأرثوذكس (القسطنطينية) وبلاد قيصرها وكنيستها ..

أما إيران فتريد العراق وسوريا ولبنان واليمن وشرق جزيرة العرب والحجاز حيث الحرمين ، وتريد السيطرة على الأمة الإسلامية وقيادتها ، وإقامة الإمبراطورية الفارسية من جديد بلباس المذهب الرافضي ، وللفرس المجوس ثارات عند العرب لا يزالون يذكرونها منذ الفتح الإسلامي ، فانتقام الفرس من العرب – إن تمكنوا – لا يمكن تصوره ، وما حدث في العراق من مجازر هو غيض من فيض الحقد الفارسي المجوسي ، ومن أراد أن يعرف بعض هذا الحقد على حقيقته فليقرأ تأريخ الإمبراطورية الصفوية الفارسية الرافضية الحاقدة ..

أما الدول العربية فهي تحقق المصالح الأمريكية في المقام الأوّل لتضمن بقاءها ، وتريد هذه الحكومات القضاء على الدولة الإسلامية التي من أبجدياتها : التوسّع على حساب هذه الحكومات ، وهذه الدول تعلم يقيناً أنها ليست نداً للدولة الإسلامية ، فهي تلهث خلف هذا التحالف الصليبي ، وتحاول تكوين تحالفات أخرى في سبيل البقاء ، ولو تُركَت الدولة الإسلامية وهذه الدول : فإنها تلتهمها في بضعة أشهر ، وربما انضم أكثر سكان هذه الدول للدولة الإسلامية وحاربوا معها ، فبقاء هذه الحكومات مرهون ببقاء حلفها مع الصليبيين ..

أما ملاحدة الأكراد فهم أداة في يد الصليبية الصهيونية ، وهؤلاء الملاحدة يريدون وطناً قومياً من شمال شرق العراق إلى شمال غرب سوريا ، وقد سكتوا عن شمال شرق إيران لسبب ما !! ويريدون أن يجتمعوا بإخوانهم في تركيا ليكوّنوا معاً : دولة الكرد الكبرى ، فهذا حلمهم من قديم ، وقد كانت لهم دولة كبيرة في بعض هذه البقاع بددتها فرنسا ومزقتها بين الدول ..

أما الجيش التركي فهدفه منع إقامة دولة كردية على حدود تركيا الجنوبية ، ويريد عزل أكراد تركيا عن أكراد سوريا والعراق عن طريق زرع عناصر عربية أو تركمانية في هذه البقاع ، وخاصة في شمال سوريا ، فالأكراد لهم تاريخ طويل في محاربة الجيش التركي لإقامة وطن قومي لهم ، وهذا ما لا يمكن للجيش التركي قبوله ..

أما الجماعات المقاتلة في سوريا فهي أصناف وأشكال وأنواع كثيرة : بعضها عميل لبشار ، وبعضها من صنع المخابرات الأمريكية ، وبعضها من صنع المخابرات العربية ، وبعضها قومي ثوري يريد تحرير سوريا ، وبعضها حزبيّ يتبع جماعة أو فرقة إسلامية ، وهناك جماعات مجاهدة تريد تحرير سوريا وحكمها بالشريعة الإسلامية ، إلا أن أكثر هذه الجماعات صغيرة وضعيفة لا تستطيع القيام بمفردها ، وبعض الجماعات دخلت في تحالفات واندماجات ، ولكنها إلى الآن ضعيفة ، وقد فضحت “هدنة حلب” الكثير من الجماعات التي عرف السوريون حقيقتها وأدركوا خيانتها وعمالتها ، وصاروا ينتقدونها علناً بعد أن كانوا يظنون فيها الخير ، وأدرك الكثير من السوريين أن المبادئ والمواقف الثابتة هي التي تحقق النصر ، لا الشعارات والكلمات الخاوية ، وأدركوا أن أكثر الدول التي ادّعت نصرة الثورة السورية كانت تكذب في ادّعائها ، وأن مموّلوا الجماعات السورية ما هم إلا جزء من المخطط الصليبي للقضاء على الثورة السورية ..

أما الدولة الإسلامية فقد جهَرت بأهدافها بكل وضوح ، وأعلنت خلافة إسلامية بلا حدود ، وهدّدت الدول العربية بغزوها وسحقها والانتقام من حكامها الطغاة ، وهدّدت الدول الغربية ، وكفّرت الرافضة والنصيرية وأهدرت دمهم ، وكفَرت بكل المنظمات والمؤسسات والقوانين الدولية ، وترفض أي حوار أو نقاش أو صلح أو مراوغات سياسية أو مؤتمرات إقليمية أو دولية ، وهي بهذا تُصبح خطراً على الجميع ، فلا يريد أحد قيام خلافة إسلامية تهفوا إليها أفئدة المسلمين من كل بقاع الأرض ، ولا يريد أحد قيام دولة توسّعيّة لا تعترف بحدود دوليّة ،  ولا يريد أحد قيام دولة تحكم بشرع الله حقاً فتفرض الجزية وتقيم الحدود وتسبي الذراري وتعلن الجهاد وتؤمن بالولاء والبراء وتكفر بالوطنية والقومية ولا تعترف بالقوانين والأعراف الدولية ، ولا يريد أحد وجود خليفة يجمع شتات المسلمين ويلغي حكومات الدول الإسلامية وسلطة حكامها ، ولا يريد أحد وجود قوة عسكرية إسلامية تستطيع خوض معارك بحرفية عالية وتهزم جيوشاً نظامية تفوقها تسليحاً وعدداً بأضعاف مضاعفة كما كان يفعل سلف هذه الأمة ، وفوق هذا كله : دولة لا تتكلم ولا تحاور إلا بالرصاص والقنابل والمفخخات والمدافع ، لا تعرف أنصاف الحلول ، ولا تعترف بهزيمة فيصيبها اليأس ، بل تزداد قوة بعد كل محنة !!

من هنا نعلم بأن الهدف الأوّل لأكثر دول الأرض الآن ، هو : القضاء على الدولة الإسلامية الوليدة التي تشكّل خطراً على النظام العالمي برمّته ، وتهدد وجود دول كثيرة وحكومات فاعلة في النظام العالمي ، وتهدّد “السلام العالمي” بتهديد دويلة المسخ في فلسطين المحتلة ، ودول بجوارها تحميها ، فلا غرابة أن تتناسى هذه الدول خلافاتها الكثيرة والكبيرة لتجتمع على حرب الدولة الإسلامية : فالروسي مع الأمريكي والفرنسي ، والكنيسة الكاثوليكية مع الأرثوذكسية والبروتستانتية ، والإيراني مع العربي ، والنصيري مع الرافضي ، والمتأسلم مع اليهودي ، والتركي مع القومي الكردي ، كل هؤلاء اجتمعوا على حرب هذه الدولة الإسلامية لأنها لا تلعب وفق قوانين اللعبة السياسية المعتادة ، فقد وُجدت لكسر جميع القوانين المتعارف عليها بين الأعداء الأصدقاء ..

 هل في جعبة هذه الدول المتحالفة للقضاء على الدولة الإسلامية ما من شأنه إضعاف الدولة ؟ لا نشك بأنهم يخططون لذلك ، فمعركة الموصل والرقة المرتقبتان من أهم الأهداف المرحلية للأعداء الآن ، فالعدو لديه خطة ثابتة للتقدّم شمالاً إلى الموصل ، وجنوباً إلى الرقّة ليحرم الدولة الإسلامية من الأرض ، وكذلك يعمل العدو بتركيز شديد في حربه الإعلامية على الدولة الإسلامية في هذه المرحلة بنشر الشائعات والأكاذيب ليحبط معنويات الجنود والمناصرين ، وبوجود الروس لحماية النصيرية في الغرب السوري ، وبتحييد الكثير من الجماعات المقاتلة في هدنة الخزي الفاضحة في حلب : أصبح التركيز أكبر على الرقة والموصل من قبل الأمريكان والرافضة والملاحدة ..

في المقابل : على الدولة الإسلامية فتح المزيد من الجبهات ، وتحييد من تستطيع تحييده من القوى والجماعات ، واحتلال بعض المدن لإشغال العدو بها وإنهاكه وتشتيته ، والإثخان في العدو ، ولعل التوجّه ببعض العمليات إلى أقصى الجنوب العراقي مطلوب الآن ، ولعل فتح جبهة كركوك وأربيل فيه إشغال لملاحدة الكرد عن الرقة والموصل ، ولعل الضرب في كربلاء يجبر الرافضة على التقهقر لحمايتها ، ولا ينبغي للدولة الإسلامية إهمال التناقضات في الساحة السياسية واستغلالها لصالحها بتأجيج نار الفتنة بين أعداءها المتخالفين فيما بينهم : فالرافضة لا يثقون بعملاءهم من المنتسبين زرواً لأهل السنة ، وملاحدة الأكراد أعداء للأتراك ، وإيران عدوّة للعرب ، وأمريكا والروس أعداء ..

لا ينبغي للدولة الإسلامية إهمال الجانب الإعلامي على حساب العسكري ، وينبغي لأنصار الدولة الإسلامية مضاعفة الجهود في هذا الجانب الحيوي الخطير في مثل هذا الوقت ، فلا بد من استقطاب المزيد من المجاهدين إلى العراق والشام ، خاصة من لهم خبرة ودراية بالحروب ، ولا بد من زرع الثقة بالدولة الإسلامية بين المسلمين ، ونشر عملياتها وانتصاراتها ، وبيان أهدافها ، وبيان زيف أدعاءات أعداءها ، ليس على مستوى المنطقة ، بل على مستوى العالم أجمع ..

على “قاعدة الجهاد” إعادة النظر في علاقتها بالدولة الإسلامية لأنها المتضرر الأكبر من ضعف الدولة (لا قدّر الله) ، فلا سبيل للإنتظار ، ولا مجال لضرب أخماس بأسداس ، فقد راهنت على جماعات داهنت النصيرية والنصارى بأمر المموولين في أحلك الظروف ، ودخلت في هدنة الخزي والعار ، فمثل هؤلاء القادة لا يُعوّل عليهم في الجهاد ، وقد قُرصت قاعدة الجهاد من أمثال هؤلاء في أفغانستان والصومال والعراق .. المعادلة واضحة ، والأمور بيّنة ، والمصير واحد ، والعدو متربّص بالجميع ، فالعقل العقل ..

الذي عرفناه – بالتتبع والاستقراء – أن الدولة الإسلامية سرعان ما تتأقلم مع مخططات أعداءها ، وتُفشل هذه المخططات بحركات خاطفة تحكي عبقرية القيادة في الدولة الإسلامية ، وقوة عزيمة جنودها وفدائيتهم التي حيّرت الخبراء ، فلا يوجد جيش على وجه الأرض يملك هذا الكم الهائل من الإنغماسيين الذين يتنافسون على الموت بالاقتراع : أيهم يظفر بالشاحنة المفخخة بأطنان المتفجرات أو بالحزام الناسف !! فليطمئن مناصري الدولة الإسلامية وليثقوا بربّهم أولاً ويتوكّلوا عليه ويسألوه النصر والثبات ويلحّوا عليه في الدعاء ، ثم ليثقوا بقيادة الدولة الإسلامية وبعزيمة جنودها وإخلاصهم وتفانيهم في سبيل أمتهم ، نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على الله ..

هل هُزمت الدولة الإسلامية في الأشهر الماضية ؟

أما من الناحية العسكرية : فقد انحازت من أجزاء في محيط بعض المدن لتنقض على مدنٍ أخرى وتفتح أضعاف المساحات التي انحازت عنها ، وبقيت في أجزاء المدن التي انحازت منها وفي محيطها لتناوش الأعداء وتنفّذ عمليات نوعية بين الفينة والأخرى تحرم العدو من الاستقرار في هذه المدن ، والدولة الإسلامية من القوة بمكان بحيث تستطيع فتح أي مدينة في العراق والشام إذا غاب القصف الصليبي ، هذا بالمقاييس العسكرية الأرضية ، والنصر من عند الله وحده ..

أما من الناحية السياسية : فالدولة الإسلامية استطاعت إرجاع معاني الخلافة في الأمة ، تلك المعاني التي غرستها في قلوب ملايين المسلمين في شتى بقاع الأرض ، وصوّرت “خليفة المسلمين” الهاشمي القرشي لتُظهره للناس بأبهى حلّة بعد آخر خليفة عبّاسي ، فهذه المعاني الشرعية التاريخية السياسية هي نصر كبير بحد ذاته ، أعظم من النصر العسكري بكثير ، فأجيال كاملة من الأمة لم تعرف الخلافة ولا الخليفة حتى جاءت هذه الدولة ، وهدف عملاء ووكلاء النصارى في المنطقة هو إثبات عدم شرعية هذه الخلافة ، والحقيقة أن هذا الأمر ليس مهماً ، فالأهم منه بمراحل كثيرة هو : إحياء معاني الخلافة ومعنى الخليفة في الأمة ، وهذا ما حققته الدولة الإسلامية بجدارة ، فما كان حلماً قبل سنتين بل منذ عقود كثيرة ، أصبح واقعاً ملموساً تراه الأمة بعينها وتعيشه بوجدانها ويحياه جيل شبابي كامل ، فالمستحيل أصبح ممكناً ، بل حقيقة مرئية ملموسة

هذه أعظم هزيمة سياسية مُنيت بها القوى الصليبية منذ قرون ، وهي تعلم ذلك ، ولذلك جمعت كل هذه الدول لتحارب معنى الخلافة الإسلامية وليس الدولة الإسلامية ، فحربها ليست عسكرية بحتة ، بل هي سياسية فكرية عقدية تأريخية صليبية تعلم جيداً معنى الخلافة والخليفة ورايته ، معانٍ غابت عن كثير من المسلمين فلم يُدركوا حجم إنجاز الدولة الإسلامية ويعرفوا ما فعلت في الأرض ..

اللهم انصر الدولة الإسلامية على أعداء الأمة وأعزها بالإسلام ، واجعلها هادية مهدية واهد بها ، واجمع كلمتها بإخوانها ، وسدد رميهم جميعاً ، ومكّنهم من رقاب الرافضة والنصيرية والنصارى والملاحدة واليهود ومن والاهم من المرتدين .. اللهم اركز راية العقاب في المسجد الأقصى ، وبلّغنا ذلك اليوم غير مبدّلين ولا مغيّرين ، وأرنا دماء إخوان القردة ومن تولّاهم تجري أنهاراً لتشف صدور قومٍ مؤمنين .. اللهم اجمع شمل المسلمين ووحّد كلمتهم واجعلهم كالبنيان يشد بعضه بعضاً ، واجعل مجاهديهم صفاً مرصوصاً يقاتلون في سبيلك ، يطلبون مرضاتك ، لا يخافون فيك لومة لائم ..

{إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (الأعراف : 128) ..

والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..

كتبه
حسين بن محمود
21 جمادى الأولى 1437هـ

__________________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]