New article from Shaykh Ḥussayn bin Maḥmūd: "The Logic of the Absurd"

بسم الله الرحمن الرحيم

غريب أمر الشعب المصري .. هل من المعقول أن هذا الشعب يُصدّق ولو للحظة واحدة أن “أحمد شفيق” يحصل على (24%) من أصوات الناخبين في مصر !! هل يُعقل أن يصدّق المصريون هذا !! رجل قَتل أبنائهم وساهم في تدهور اقتصاد بلادهم وتمدير حياتهم ويخرج عليهم مخموراً على الهواء مباشرة ويخاطبهم بمنطق إستعلاء “حسني” وأبناءه ، ثم ينتخبه ربع الشعب المصري !! 
لقد علمنا إرادة الخيانة والتزوير في إنتخابات مصر منذ أن أوصى “المجلس العسكري” بضرورة قبول نتائج الإنتخابات الأولى ، وكأنه أعلنها سلفاً بأن الإنتخابات ستزوّر وعلى الجميع قبولها !! هل من المعقول أن المجلس العسكري سيُعلن مثل هذا لو ظن – ولو للحظة واحدة – أن “الإخوان المسلمين” سيكتسحون الإنتخابات الرئاسية كما اكتسحوا المجالس !! 
لقد ظهرت أدلة كثيرة جداً على تزوير الإنتخابات ، وما زال الشارع المصري يتأرجح في مكانه ينتظر نتائج الإنتخابات القادمة !! كنا نظن أن الشارع المصري سيخرج عن بكرة أبيه ويقتحم قاعة “المجلس العسكري” ويقبض على البقية الباقية من فلول النظام السابق ، ولكن هذا النظام أثبت أنه أذكى من الشعب المُستَغْفَل !!
لنُعيد رسم الصورة من جديد حتى نتعرّف على اللامعقول :
اللجنة التي أشرفت على الإنتخابات هي من بقايا الفلول ، فجميع المسؤولين الكبار عيّنهم حسني مبارك .. والمجلس العسكري الذي يحرس الإنتخابات هو من بقايا الفلول ، وهذا المجلس اختاره حسني مبارك .. ومرشح المجلس واللجنة “أحمد شفيق” هو من بقايا الفلول ، فهل من المعقول أن تكون نتيجة مثل هذه الإنتخابات غير مرشّح بقايا الفلول !! هل من المعقول أن تكون الكذبة بهذا الوضوح وهذه الوقاحة ثم تنطلي على الشعب المصري !!

لو أن جميع النصارى وجميع الفلول وجميع العلمانيين والليبراليين والشوعيين (اللادينيين) وأمثالهم انتخبوا أحمد شفيق فإنه لن يتجاوز الـ (10 %) على أكثر تقدير ، وسيكون في هذه العشرة الكثير من التزوير .. الشعب المصري مسلم على الفطرة ، وهو محب لدينه ، ولا يمكن أن ينتخب أي مصري مسلم هذا المجرم السكّير القاتل المحارب لدين الله تعالى .. ها قد أعلن أحمد شفيق نفسه أنه “يجب القبول بنتيجة الإنتخابات في الجولة الثانية” ، فهل يقول مثل هذا لو لم يكن ضامناً لفوزه ، وبالتزوير ، كما في المرة الأولى !!
أيها الشعب المصري .. هناك أمور تستطيعون فعلها لضمان عدم التزوير الوقح والمكشوف والمستخفّ بالعقول ، منها : أنه في حال تزوير الإنتخابات وإعلان فوز هذا الحقير فإن الشعب المصري سيقيم مسيرات مليونية في مدينة رفح الحدودية .. إذا أعلن الشعب المصري هذا الإعلان فأنا ضامن لنزاهة الإنتخابات وسهر أعضاء “المجلس العسكري” وجميع القائمين على الإنتخابات لضمان النتيجة التي يريدها الشعب ، حفاظاً عى أمن يهود ..
وأمر آخر : أنه في حالة فوز “جرو مبارك” فإن الجيش المصري سيكون “الجيش المصري الحر” على غرار “الجيش السوري الحر” وسيحرر هذا الجيش مصرَ من بقية الفلول ..
وفي حالة لعب المجلس العسكري ولجنة الإنتخابات على عقول المصريين واستغفالهم فإن الشعب المصري سيقتحم قصور بقية الفلول ويجرجر كبرائهم ويسحلهم في شوارع مصر ..
لا بد من الجد ، فالأمر أخطر من أن يُترك لهؤلاء الخونة .. نادوا في ميدان التحرير قبل التزوير : “موعدنا رفح” ، ” الجيش المصري الحر” ، “الموت للفلول” ..

ومن اللامعقول : ما حدث في اليمن !! هل يُعقل أن الشعب اليمني – الذي أُخبرنا بأنه شعب الحكمة – تنطلي عليه ما سُمّي بالمبادرة الخليجية !! “علي صالح” قتل الأبناء وسرق الأموال ولا زال أبناءه وإخوانه وأبنائهم يحكمون البلاد باسمه ، ومع ذلك انطلت على أهل اليمن خدعة أنه تنحّى عن الحكم طوعاً ، ورأفة بشعبة ، ومنّة منه !!
إن كانت هذه المهزلة قد انطلت على هذا الشعب فيؤسفنا أن نقول بأن هذا الجيل ليس جيل حكمة ، بل هو جيل “تيه” كما حصل لبني إسرائيل ، فبنو إسرائيل اصطفاهم الله على خلقه في وقتهم ، ولكنهم لمّا رفضوا الإنصياع لأوامر ربّهم وجبنوا عن لقاء عدوّهم تاهوا في سيناء أربعين سنة واستبدلهم الله بجيل آخر ، فلعل هذا الجيل اليمني هو جيل تيه لا ينطبق عليه الحديث ، وكيف ينطبق عليه الحديث وقد صدّق هذه المسرحيّة الركيكة الهزيلة التي لا تنطلي على مجنون !! 
لقد خذل الشعب اليمني جميع الشعوب العربية بهذا الموقف المُشين .. نعم موقف مشين ، فالشعب الليبي قبض على القذافي وقتله ، وصاحب تونس فرّ منها لا يلوي على شيء ، وصاحب مصر في السجن يُطالب المصريّون بإعدامه ، ونحن نرى إصرار الشعب السوري على قتل بشّار ، وها هو الإعلام يقول بكلّ وقاحة أن “التجربة اليمنية” قد تُفعّل في سوريا !! أصبح القاتل المجرم الخائن له حق الخروج من البلاد بعد سرقة خيراتها وقتل أبنائها وهتك أعراض نسائها محاكاة “للتجربة اليمنيّة” !! هل يرضى الشعب اليمني أن تُنسب إليه هذه الوقاحة وهذه الخسّة وهذه الدناءة !! هل يرضى الشعب اليمني أن يقول الطغاة لشعوبهم : اقبلوا الكذبة التي كذبناها على الشعب اليمني ، وكونوا حمقى ومغفّلين كما كان الشعب اليمني !!
الشعب اليمني شعب ذكيّ ، بل حادّ الذكاء ، ولا تنطلي عليه الأكاذيب ، والعالم الإسلامي كله انصدم بهذا المقوف .. لم يتصوّر أحد أن يكون أهل اليمن بهذه السذاجة !! ولكن البوادر مطمئنة ، والميادين بدأت بالإمتلاء مرة أخرى ، ولا بد هذه المرة من القبض على علي صالح وأبنائه وأعوانه ، وعلى رأسهم نائبه السابق الذي أتى به السفير الأمريكي ليحكم اليمن نيابة عن أمريكا .. لا بد من كنس اليمن مرّة واحدة من جميع الأوساخ وجعلها يمناً سعيدة إيمانية حكيمة رقيقة القلب والفؤاد .. 
ومن اللامعقول ما ينادي به البعض في سوريا ، حيث يقولون بأنه : لا ينبغي للشباب دخول سوريا والجهاد ضد النصيريّة !! يقولون بأن في شباب سوريا الكفاية !! هذه والله المصيبة !! هل رأى هؤلاء صور الأطفال التي رأيناها !! هل سمع هؤلاء عن حرائر سوريا اللاتي يتخطّفهنّ النصيريّة وروافض لبنان وإيران يهتكون أعراضهنّ صباح مساء !! أين الكفاية !! لقد انعقد الإجماع بأن الجهاد يكون فرض عين على الأمة الإسلامية في حال سبي الكفار امرأة مسلمة واحدة ، فأين نحن من آلاف الأخوات في سوريا !! وكيف نقول لاخ تُغتصبُ اخته : اقعد في البيت !!
ليس من المعقول أن يقول هذا القول عاقل !! الواجب والفرض المتعيّن على المسلمين اليوم هو الجهاد في سبيل الله ، فالجهاد في سوريا ضد النصيرية فرض عين على المسلمين – بالإجماع – حتى يتم القضاء على هؤلاء الأنجاس ، فكيف يقول عاقل بأن الشباب لا يجاهودن في سوريا !!
الإيرانيون واللبنانيون والروس والأتراك النصيرية يقاتلون مع نصيرية سوريا ضد المسلمين ، ونحن نقول : لا ينبغي لشبابنا الدخول إلى سوريا !! أي عقل هذا !! وأي دين هذا الذي يدين به هؤلاء !! هل من المعقول أن يجلس الرجال في البيوت وأخواتهم يُغتصبن الواحدة تلو الأخرى !! أيُعقل أن يجلس شباب الأردن ولبنان وتركيا ومصر وليبيا وجزيرة العرب والعراق في بيوتهم ويتركون رافضة إيران ولبنان والنصيرية يمزقون ملابس أخواتهم !!

كيف القرار وكيف يهدأ مسلمٌ … والمسلمات مع العدو المعتدي
القائلات إذا خشين فضيحةً … جهد المقالة ، ليتنا لم نولدِ
ما تستطيع وما لها من حيلةٍ … إلا التستّر من أخيها باليدِ

ومن العجيب ما يبرّر به هؤلاء أقوالهم ، حيث يزعمون أن دخول الشباب إلى سوريا هو ما يريده “بشّار” والغرب ليُلصقوا تهمة الإرهاب بالشعب السوري !! إن لم تكن هذه عين الحماقة فماذا تكون !! لقد أرسل الغرب “مراقبين دوليين” للتجسس على الثوار وأخذ صورهم لتصفيتهم ، واجتمع العالم كله على استئصال شأفة الثورة السورية ، ووزعوا الأدوار فيما بينهم فأوهموا معارضة روسيا والصين ليُكملوا المسرحيّة الخبيثة على حساب الدم المسلم ، وكل يوم يخرجون بعمل وخطّة ومؤتمر ولقاء وتصريح وبيان وشجب حتى قال البعض : استنكر العرب أعمال الحكومة السورية فضحكت فلسطين !! أي خير نرجوه من الغرب والشرق والشمال والجنوب ، ولم نخاف رأي هؤلاء فينا وموقفهم ولا نخاف غضب الله وقد فرض علينا الجهاد ..
إن لم ينفر الشباب المسلم للجهاد في سوريا فما هو مصير حرائر المسلمين هناك !! وما هو مصير أطفال المسلمين ، وهل رأيتم العالم يتحرّك لنصرة أهلنا في سوريا حتى تمنعوا الشباب من الجهاد ، ومتى كان في شرعنا منع الجهاد بسبب رأي الشرق والغرب !! وهل الجهاد إلا الإرهاب !! هل تريدوننا نتفرّج على كل هذه المجازر ثم لا نجاهد بحجّة أن الغرب سيسمنا بالإرهاب !! 
ثم نقول لهؤلاء : إذا كان الغرب هو همّكم الأول فلم لا تنظرون إلى الأمر من زاوية أخرى !! لم لا نقول بأن الشباب إذا تدفقوا إلى سوريا وحملوا السلاح وتدرّبوا على أجواء الشام ، وصار آلاف الرجال المسلحين المجاهدين من أبناء الأمة على مرمى حجر من فلسطين فإن الدول الغربية ستتدخّل فوراً لوقف الحرب وتغيير الحكومة السورية حفاظاً على أمن اليهود .. أليس هذا ما فعلته الدول الغربية في البوسنة حين نفر إليها آلاف الشباب المجاهدين فخافت الدول الأوروبية من وجود العرب المجاهدين فيها وأوقفت الحرب البوسنية عن طريق قصف النصارى في صربيا خوفاً من هؤلاء المجاهدين وحفاظاً على أمنها !! 
ارحموا عقولنا ، وارحموا قلوب شبابنا ، وارحموا دماء أهلنا وأعراضنا في شامنا ، فوالله ليس لها – بعد الله – إلا هؤلاء الشباب النافرين للجهاد ، الطائعين رب العباد ، الغيورين على الأعراض ، المشفقين على أرواح المسلمين ، المبغضين للكفار ، البائعين للأنفس والأموال ابتغاء الجنان ، فبدلاً من أن تُجهّزوا هؤلاء الشباب وتُحرّضوهم على الجهاد : تُرجفون وتُخذّلون !! 
هؤلاء الذين يقولون مثل هذا القول الشنيع لا يعرفون حقيقة الحروب وطبيعتها ، فأهل البلاد إذا رأوا الغريب يأتيهم من مكان بعيد لنُصرتهم فإنهم ينشطون للقتال ، فغريب واحد يُحيي به الله جبهة كاملة .. كيف نمنع من أمَره الله بالنفير ، هل نزعم أننا أعلم بالمصلحة من الله عز وجل !! الله أمرنا بنُصرة من استنصرنا {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} ، وأهل الشام يصرخون كل يوم في المسلمين أن “أغيثونا” ، وبعضنا يقول : لا تدخلوا سوريا !!
المال وحده لا يكفي لنصرة أهلنا في الشام ، ومن قال غير ذلك فهو أعمى أصم أحمق لا يرى ما يراه العالم ولا يسمع ما يسمعه العالم ولا يعي ما وعاه العالم ..
يا شباب الإسلام لا تسمعوا لهؤلاء ، ولكن {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (التوبة : 41) ، فالخير في النفير والجهاد بالمال والنفس ، لا في التثاقل والقعود مع الخوالف في وقت تُهتك فيه الأعراض وتُهدر الكرامات وتُسفك الدماء ..

ومن اللامعقول أن الشعب الأردني يتأخّر كل هذا التأخر في ثورته !! لا زلنا نبحث عن بقيّة عقلنا لنستبين سبب هذا التأخّر !! الأمر مُحيّرٌ حقا !! هل الشعب في مرحلة غيبوبة ، أم أن هناك نقص في الرجال !! أم في الرجولة !! ما كنا نظن أن يتأخر أبناء الفاتحين عن ركب الثورة ونحن نعلم أنها تجري في عروقهم مجرى الدم .. ما كنّا نظن أن أبناء الفاتحين يركنون لمثل هذا الذل وهم يرون إخوانهم في الشمال يبنون صرحاً من المجد بلبنات الجماجم !!
ومثل هذا اللامعقول هو حال الجزائر .. تلك البلد التي لم تجدب قط في تأريخها الطويل ، فلا زالت تمطرنا بأجيال من الصناديد والقادة والثوار الذين دوّخوا الأعداء وعلّموا العالم فنون القتال في الصحراء .. هل عقمت نساء الجزائر !! أيُعقل أن يرضى هؤلاء الأشاوس بحكم خصيّ “الأليزيه” !! الجزائر من أغنى بلاد أفريقيا ، وشعبها من أفقر الشعوب !! 
الشعب الجزائري شعب أبيّ كريم مقدام تتغنّى صفحات التأريخ بقصص بطولاته ،لا أقول التأريخ الإسلامي فقط ، بل التأريخ الإفرنجي أيظاً .. مَن الذي دوّخ المدن الساحليّة بجنوب أوروبا !! من الذي حكم البحر الأبيض المتوسّط !! من الذي كان يأخذ الجزية من السفن الأمريكية والأوروبية ؟ إنه هذا الشعب الكبير الجليل الخطير سلالة قحطان وعدنان والبربر ..
هذه الثورات هي ثورات الشعوب ، وقد دفعت هذه الشعوب أغلى ما عندها لتكسر أصناماً نُصبت على العروش تُعبد من دون الله ، فالشعوب أبت إلا أن تُفرد الله بالعبادة ، وتُحطّم بمطرقة إصرارها هذه الأصنام وتهتف بأعلى صوتها {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} ، والآن نرى سدنة هذه الأصنام يمكرون ليُعيدوا نحتها بصور شتى ، وليس من المعقول أن تتراجع الشعوب عن حقها وتتنازل أو تساوم هؤلاء السدنة بعد كل هذه التضحيات ، فالواجب على الشعوب أن تستمسك بمطرقة الخليل إبراهيم – عليه السلام – وتُحطّم جميع الأصنام ، وتفلق هام كل السدنة كي يستقرّ التوحيد في الأرض ، وتهنأ الأجيال القادمة بخالص العبودية لله الواحد الأحد ..
إن المعركة ليست هتافات في ميادين أو ساحات ، بل هي معركة وجود ، والغلبة لأهل الصبر والجدّ والجهاد .. أهل الباطل لهم صولات ، وعندهم إمكانات ، وبيدهم المال والإعلام والسلطة ، ولكن الشعوب عندها العزيمة والإصرار ، وعندها الحق ، وهو أعظم سلاح عرفته البشرية لمن استمسك به وبذل من أجله الغالي والنفيس ، فجميع ما عند أهل الباطل لا يقوم للحق {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} (الأنبياء : 18) ، فالسرّ هنا هو “القذف” الذي هو حركة استعلائية إيمانية قويّة مضادة للباطل ، فلا بد لزهوق الباطل من ضربة الحق القاضية .. ضربة تكسر وتُهشّم ولا تكتفي بالخدش ..
قال سيّد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية : “والتعبير يرسم هذه السنّة في صورة حسّية حيّة متحركة . فكأنما الحق قذيفة في يد القدرة . تقذف به على الباطل ، فيشقّ دماغه ! فإذا هو زاهق هالك ذاهب . .
هذه هي السُنّة المقرّرة ، فالحق أصيل في طبيعة الكون ، عميق في تكوين الوجود . والباطل منفيّ عن خِلقة هذا الكون أصلا ، طاريء لا أصالة فيه ، ولا سلطان له ، يطارده الله ، ويقذف عليه بالحق فيدمغه . ولا بقاء لشيء يطارده الله ، ولا حياة لشيء تقذفه يد الله فتدمغه !
ولقد يخيل للناس أحيانا أن واقع الحياة يخالف هذه الحقيقة التي يقررها العليم الخبير . وذلك في الفترات التي يبدو فيها الباطل منتفشا كأنه غالب ، ويبدو فيها الحق منزوياً كأنه مغلوب . وإنْ هي إلا فترة من الزمان ، يمد الله فيها ما يشاء للفتنة والابتلاء . ثم تجري السنّة الأزليّة الباقية التي قام عليها بناء السماء والأرض ، وقامت عليها العقائد والدعوات سواء بسواء .
والمؤمنون بالله لا يخالجهم الشك في صدق وعده ، وفي أصالة الحق في بناء الوجود ونظامه ، وفي نصرة الحق الذي يقذف به على الباطل فيدمغه .. فإذا ابتلاهم الله بغلبة الباطل حيناً من الدهر عرفوا أنها الفتنة ، وأدركوا أنه الابتلاء ، وأحسّوا أن ربهم يربّيهم ، لأن فيهم ضعفا أو نقصا ، وهو يريد أن يعدّهم لاستقبال الحق المنتصر ، وأن يجعلهم ستار القدرة ، فيدعهم يجتازون فترة البلاء يستكملون فيها النقص ويعالجون فيها الضعف .. وكلما سارعوا إلى العلاج قصر الله عليهم فترة الابتلاء ، وحقق على أيديهم ما يشاء . أما العاقبة فهي مقررة : {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق} ، والله يفعل ما يريد . (انتهى كلامه رحمه الله) .. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه .. 

والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
كتبه
حسين بن محمود
21 رجب 1433هـ

__________

To inquire about a translation for this article for a fee email: [email protected]